ثم دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله بيته وخرج أسامة من يومه حتى عسكر على رأس فرسخ من المدينة ونادى منادي رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ أن لا يتخلف عن أسامة أحد ممن أمرته فلحق الناس به وكان أول من سارع إليه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فنزلوا في رقاق (١) واحد مع جملة أهل العسكر.
قال وثقل رسول الله صلىاللهعليهوآله فجعل الناس ممن لم يكن في بعث أسامة يدخلون عليه إرسالا (٢) وسعد بن عبادة يومئذ شاك (٣) وكان لا يدخل أحد من الأنصار على النبي صلىاللهعليهوآله إلا انصرف إلى سعد يعوده.
قال وقبض رسول الله صلىاللهعليهوآله وقت الضحى من يوم الإثنين بعد خروج أسامة إلى معسكره بيومين فرجع أهل العسكر والمدينة قد رجفت بأهلها.
فأقبل أبو بكر على ناقة حتى وقف على باب المسجد فقال أيها الناس ما لكم تموجون (٤) إن كان محمد قد مات فرب محمد لم يمت : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً ) (٥).
قال ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة وجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة (٦) فلما سمع بذلك عمر أخبر بذلك أبا بكر فمضيا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار وسعد بن عبادة بينهم مريض فتنازعوا الأمر بينهم فآل الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار إنما أدعوكم إلى أبي عبيدة بن الجراح أو عمر وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر وكلاهما أراهما له أهلا فقال عمر وأبو عبيدة ما ينبغي لنا أن نتقدمك يا أبا بكر وأنت أقدمنا إسلاما وأنت صاحب الغار و ( ثانِيَ اثْنَيْنِ ) فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به.
فقال الأنصار : نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم فنجعل منا أميرا ومنكم أميرا ونرضى به على أنه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين وأنتم يا معاشر الأنصار ممن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الإسلام رضيكم الله أنصارا لدينه وكهفا لرسوله وجعل إليكم مهاجرته وفيكم محل أزواجه فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأولين بمنزلتكم فهم الأمراء وأنتم الوزراء.
فقال الحباب بن المنذر الأنصاري يا معشر الأنصار أمسكوا على أيديكم فإنما الناس في فيئكم وظلالكم ولن يجتري مجتر على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم وأثنى على الأنصار ثم قال فإن أبى هؤلاء تأميركم عليهم فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ولا نقنع بدون أن يكون منا أمير ومنهم أمير.
فقام عمر بن الخطاب فقال هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد إنه لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع إلى توالي أمرها من كانت النبوة فيهم وأولو الأمر منهم ولنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة والسلطان البين فما ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو
__________________
(١) الرقاق : الصحراء الأرض المستوية اللينة التراب تحته صلابة ، وقيل التي نضب عنها الماء ، وقيل اللينة المتسعة.
(٢) أي : قطائع مجتمعين.
(٣) أي : مريض.
(٤) تموجون : تختلف اموركم وتضطربون.
(٥) آل عمران : ١٤٤.
(٦) سقيفة بني ساعدة : بالمدينة ، وهي ظلة كانوا يجلسون تحتها. مراصد الاطلاع ٢ ـ ٧٢١.