ما من هذه القبائل أحد إلا وهو يتخضمه (١) كتخضم الثنية الإبل أوان الربيع فتعلم لو لا ذلك رجع الأمر إليه وإن كنا له كارهين أما إن هذه الدنيا أهون إليه من لقاء أحدنا للموت أنسيت له يوم أحد وقد فررنا بأجمعنا وصعدنا الجبل وقد أحاطت به ملوك القوم وصناديدهم موقنين بقتله لا يجد محيصا للخروج من أوساطهم فلما أن سدد عليه القوم رماحهم نكس نفسه عن دابته حتى جاوزه طعان القوم ثم قام قائما في ركابيه وقد طرق عن سرجه وهو يقول يا الله يا الله يا جبرئيل يا جبرئيل يا محمد يا محمد النجاة النجاة ثم عمد إلى رئيس القوم فضربه ضربة على أم رأسه فبقي على فك واحد ولسان ـ ثم عمد إلى صاحب الراية العظمى فضربه ضربة على جمجمته ففلقها ومر السيف يهوي في جسده فبراه ودابته بنصفين ولما أن نظر القوم إلى ذلك انجفلوا من بين يديه فجعل يمسحهم بسيفه مسحا حتى تركهم جراثيم جمودا على تلعة من الأرض يتمرغون في حسرات المنايا يتجرعون كئوس الموت قد اختطف أرواحهم بسيفه ونحن نتوقع منه أكثر من ذلك ولم نكن نضبط من أنفسنا من مخافته حتى ابتدأت منك إليه التفاته وكان منه إليك ما تعلم ولو لا أنه نزلت آية من كتاب الله لكنا من الهالكين وهو قوله تعالى ( وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ ) (٢).
فاترك هذا الرجل ما تركك ولا يغرنك قول خالد أنه يقتله فإنه لا يجسر على ذلك ولو رام لكان أول مقتول بيده فإنه من ولد عبد مناف إذا هاجوا هيبوا وإذا غضبوا أدموا ولا سيما علي بن أبي طالب عليهالسلام نابها الأكبر وسنامها الأطول وهامتها الأعظم ، ( وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ).
روى عبد الله بن الحسن (٣) بإسناده عن آبائه عليهمالسلام أنه لما أجمع (٤) أبو بكر وعمر على منع
__________________
(١) في بعض النسخ « يتهضمه كتهضم ».
(٢) آل عمران / ١٢٥.
(٣) هو عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام في عمدة الطالب وإنما سمي المحض لأن أباه الحسن بن الحسن (عليهالسلام) وأمه فاطمة بنت الحسين (عليهالسلام) وكان يشبه برسول الله صلىاللهعليهوآله.
وكان شيخ بني هاشم في زمانه ، وقيل له : بما صرتم أفضل الناس؟ قال : لأن الناس كلهم يتمنون أن يكونوا منا ولا نتمنى أن نكون من أحد. وقال أبو الفرج الأصفهاني ـ في مقاتل الطالبيين ـ عند ذكر من قتل أيام أبي جعفر المنصور : « وكان أبو جعفر المنصور قد طلب محمدا وإبراهيم فلم يقدر عليهما فحبس عبد الله بن الحسن وإخوته وجماعة من أهل بيته بالمدينة ثم أحضرهم إلى الكوفة فحبسهم بها ، فلما ظهر محمد قتل عدة منهم في الحبس .. ـ إلى أن قال ـ : وعبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب (عليهالسلام) يكنى أبا محمد .. ـ إلى أن قال ـ : وقتل عبد الله بن الحسن في محبسه بالهاشمية ، وهو ابن خمس وسبعين ، سنة خمس وأربعين ومائة ».
وفي معجم البلدان : والهاشمية أيضا مدينة بناها السفاح بالكوفة إلى أن قال وبالهاشمية هذه حبس المنصور عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضياللهعنه ومن كان معه من أهل بيته.
(٤) أجمع : أحكم النية والعزيمة.