فاطمة عليهاالسلام فدكا وبلغها ذلك (١) لاثت خمارها (٢) على رأسها واشتملت بجلبابها (٣) وأقبلت في لمة (٤) من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها (٥) ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلىاللهعليهوآله (٦) حتى دخلت على أبي بكر ـ وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم (٧) فنيطت دونها ملاءة (٨) فجلست ثم أنت أنة أجهش (٩) القوم لها بالبكاء فارتج المجلس ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها فقالت عليهاالسلام :
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها وتمام منن أولاها جم عن الإحصاء عددها ونأى عن الجزاء أمدها وتفاوت عن الإدراك أبدها وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها وثنى بالندب إلى أمثالها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة جعل الإخلاص تأويلها وضمن القلوب موصولها وأنار في التفكر معقولها الممتنع من الأبصار رؤيته ومن الألسن صفته ومن الأوهام كيفيته ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها كونها بقدرته وذرأها بمشيته من غير حاجة منه إلى تكوينها ولا فائدة له في تصويرها إلا تثبيتا لحكمته وتنبيها على طاعته وإظهارا لقدرته تعبدا لبريته وإعزازا لدعوته ثم جعل الثواب على طاعته ووضع العقاب على معصيته ذيادة لعباده من نقمته
__________________
(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : قال أبو بكر ـ يعني : الجوهري فحدثني محمد بن زكريا قال : حدثني جعفر بن محمد بن عمارة الكندي قال : حدثني أبي عن الحسين بن صالح بن حي قال : حدثني رجلان من بني هاشم عن زينب بنت علي بن أبي طالب (ع).
قال : وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه.
قال أبو بكر : وحدثني عثمان بن عمران الجعفي عن نائل بن نجيح بن عمير بن شمر بن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي عليهالسلام.
قال أبو بكر : وحدثني أحمد بن محمد بن يزيد عن عبد الله بن محمد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن حسن قالوا جميعا لما بلغ فاطمة ... الخ.
(٢) اللوث : الطي والجمع ، ولاث العمامة شدها وربطها ، ولاثت خمارها لفته والخمار ـ بالكسر ـ : المقنعة ، سميت بذلك لأن الرأس يخمر بها أي يغطى.
(٣) الاشتمال بالشيء : جعله شاملا ومحيطا لنفسه ـ والجلباب : الرداء والإزار.
(٤) في لمة : أي جماعة ، وفي بعض النسخ « في لميمة » بصيغة التصغير ، أي جماعة قليلة ، والحفدة ـ بالتحريك ـ: الأعوان والخدم.
(٥) أي إن أثوابها كانت طويلة تستر قدميها فكانت تطأها عند المشي ، وفي بعض النسخ « تجر أدراعها » والمعنى واحد.
(٦) الخرم ـ بضم الخاء وسكون الراء ـ : الترك ، والنقص ، والعدول.
(٧) الحشد. الجماعة.
(٨) نيطت : علقت وناط الشيء : علقه ، والملامة الإزار.
(٩) أجهش القوم : تهيئوا.