ويظهر منه أن الاعتبار عنده بغيبوبة القرص ، وإليه ذهب في الاستبصار على أحد الوجهين في الجمع بين الاخبار ، وهو مختار السيد المرتضى وابن الجنيد و ابن بابويه في كتاب علل الشرايع (١) وظاهر اختياره في الفقيه (٢) حيث نقل الاحاديث الدالة عليه ، واختاره بعض المتأخرين.
وقال ابن أبي عقيل : أول وقت المغرب سقوط القرص ، وعلامة سقوط القرص أن يسود افق السماء من المشرق ، وذلك عند إقبال الليل وتقوية الظلمة في الجو ، واشتباك النجوم ، ولعله أراد ما يقرب القول الاول والاخبار المعتبرة الكثيرة تدل على القول الثاني ، وهو استتار القرص ، ولعل الاكثر إنما عدلوا عنها لموافقتها لمذاهب العامة : فحملوها على التقية ، وتأويلها بذهاب الحمرة في غاية البعد ، لكن العمل بها ، وحمل ما يعارضها على الاستحباب وجه قوي به يجمع بين
__________________
(١) علل الشرايع ج ٢ ص ٣٨ باب العلة التى من أجلها صار وقت المغرب اذا ذهبت الحمرة من المشرق ، وكما ترى عنوان الباب يوافق المشهور وان كان في طى الباب احاديث تحكم بأن غروب الشمس باستتار القرص والذى عندى أن الغروب هو استتار القرص لا عن وجه الارض فقط ، بل عنها وعن كل ما علاها من الجو الذى يتعلق بها وهو منتهى ما يمكن للانسان أن يعيش فيه ويتنفس من الهواء المحيط بالارض ، وذلك لان سلطان الشمس ونفوذها انما هو في الهواء ، ولولاه لم يكن للشمس ضياء ولا بهاء ، فاللازم أن يعتبر الغروب بالنسبة لى الهواء الذى يعلو كل قطعة من الارض.
فلو قيل بأن الغروب هو استتار الشمس عن نظر الرائى الذى قام على وجه الارض لوجب على ذاك الرائى صلاة المغرب ، ولم يجب على من ارتفع إلى الطبقة الثانية ، واذا غربت الشمس من الطبقة الثانية ولم تغرب من الثالثة عاد الاشكال والمحذور وهكذا في كل طبقة بالنسبة إلى طبقة أخرى تعلوها ، الا اذا اعتبر غروب الشمس عن الطبقة العالية التى ليس بعدها هواء ولا للشمس فيها شعاع وضياء. ولا يعرف غروبها عن تلك الطبقة الا بذهاب الحمرة المشرقية عن قمة الرأس.
(٢) الفقيه ج ١ ص ١٤١ ـ ١٤٢.