لقد تقدم ذكر الوصية عند ذكر وفاة العباس إلّا أنّ ثمة تفاوت وتعقيب وتذنيب اقتضى أعادتها.
قال ابن أبي الحديد : « قرأت في كتاب
صنفه أبو حيان التوحيدي في تفريط الجاحظ ، قال : نقلت من خط الصولي : قال الجاحظ : إنّ العباس بن عبد المطلب أوصى عليّ بن أبي طالب عليهالسلام
في علته التي مات فيها فقال : أي بُنيّ إني مشفٍ على الظعن عن الدنيا إلى الله الذي فاقتي إلى عفوه وتجاوزه أكثر من حاجتي إلى ما أنصحك فيه وأشير عليك به ، ولكن العِرق نبوض ، والرحم عروض ، واذا قضيت حق العمومة فلا أبالي بعد ، إن هذا الرجل ـ يعني عثمان ـ قد جاءني مراراً بحديثك ، وناظرني ملايناً ومخاشناً في أمرك ، ولم أجد عليك إلّا مثل ما أجد منك عليه ، ولا رأيت منه لك إلّا مثل ما أجد منك له ، ولست تؤتى من قلة علم ولكن من قلة قبول ، ومع هذا كله فالرأي الذي أودّعك به أن تمسك عنه لسانك ويدك ، وهمزك وغمزك ، فإنه لا يبدؤك ما لم تبدؤه ، ولا يجيبك عما لم يبلغه ، وأنت المتجني وهو المتأني ، وأنت العائب وهو الصامت فإن قلت كيف هذا وقد جلس مجلساً أنا أحق ، فقد قاربت ولكن ذاك بما كسبت يداك ، ونكص عنه عقباك ، لأنك بالأمس الأدنى هرولتَ اليهم ، تظن أنهم يُحلّون جيدك ويُختمّون أصبعك ، ويطؤون عقبك ، ويرون الرشد بك ، ويقولون لا بد لنا منك ، ولا معدل لنا عنك ، وكان هذا من هفواتك الكُبر ، وهناتك التي ليس لك منها عذر ، والآن بعد ما ثللت عرشك بيدك ، ونبذت رأي عمك في البيداء ، يتدهده في السافياء ، خذ بأحزم ممّا يتوضح به وجه الأمر ، لا تشارّ هذا الرجل ولا تماره ،
ولا يبلغه عنك ما يحنقه عليك ، فإنه إن كاشفك أصاب أنصاراً ، وإن كاشفته لم تر