قبل أكثر من نصف قرن ، وأنا يومئذٍ في أواخر العقد الثاني وأوائل الثالث من عمري وفي متوسط مراحل التحصيل الدراسي على النهج المعروف المألوف في محيطي ، كنت أشعر حين قراءتي للتأريخ الإسلامي في عصوره الأولى ، براحة نفسية أتخيل فيها الحضور والمعايشة لرجالنا الذين وطّدوا الدعائم وأقاموا السلالم ، ليرقى عليها من يأتي بعدهم ويهتدي بهديهم ، إلى أوج السعادة والكمال.
فأستشعر لهم الحشمة والإكبار لمواقفهم الجهادية في ميادين العلم والعمل.
كما كنت أشعر بالحيرة وأُصاب بالدهشة حين أقرأ عن بعض أولئك الرجال ممّا يزرى به ، فيما يتناقله المؤرخون بتناقض جاوز حدّ الغرابة ، فتتملكني الحيرة ـ ولا أقول الخيبة ـ كيف يكون ذلك ؟ وما أكثر الشواهد على التناقض في مدوّنات المؤرخين ، وما أكثر المظلومين من ضحايا ذلك التناقض ، وكان من جملة هؤلاء الضحايا عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن صاحب هذه الموسوعة.
فحين أقرأ أي كتاب تاريخ عن عصره ومصره
، أجده حاضراً وناظراً فأنّا أقرأ عنه : حبر الأمة ، وترجمان القرآن ، وهو البحر في علمه ، والذي ينظر إلى الغيب من وراء سترٍ رقيق و. و. و. فلا يثير ذلك في نفسي تساؤلاً لأن الرجل له حضور مكثف في التفسير والحديث والفقه والأدب فلا غرابة في وصفه بذلك ، ولكن حين أقرأ عنه في سلوكه ما يرويه عنه بعض المؤرخين ما يزدريه فيهبط به