ونوراً في عظامي ، ونوراً من بين يدي ، ونوراً من خلفي ، ونوراً عن يميني ، ونوراً عن شمالي ، ونوراً من فوقي ، ونوراً من تحتي ، اللّهم زدني نوراً ، وأعظم لي نوراً ، وأجعل لي نوراً) » (١).
إلى غير ذلك من الشواهد الّتي تميّز فيها الحبر ابن عباس على جميع اخوانه وجميع أبناء خالاته وهم أبناء أخوات أم المؤمنين ميمونة بما فيهم خالد بن الوليد. فقد حظي بالعطف النبوي ، وحصل على ما لم يحصل عليه أولئك على كثرتهم ، فظهرت آثار ذلك في تكوين شخصيته الّتي فضلت جميع اخوانه وأبناء خالاته ، مضافاً إلى استعداده في نبوغه وألمعيته منذ نعومة أظفاره ، فهو يحفظ المحكم وهو ابن عشر سنين ، بينما كان ابن خالته خالد بن الوليد لم يتعلم من القرآن كثيراً باعترافه (٢) ، بل نقل عنه ابن أبي شيبة في مصنفه : « أنّه أم مرة الناس بالحرّة فقرأ من سور شتى ثمّ ألتفت إليهم حين أنصرف فقال : شغلني الجهاد عن تعلّم القرآن » (٣). وأحسب أنّ ما رواه أبن أبي شيبة هو الّذي رواه ابن حجر في الأصابة إلّا أنّ ابن حجر اختصر ، حفاظاً على مكانة خالد.
لقد مرّت بنا شواهد ومشاهد وفيها ما يدلّ على ألمعيته ـ ما دام معنى الألمعية هو الذكاء المتوقد كما يقول أهل اللغة ـ فكان يحدث بما رآه وما سمعه مع حفظ خصوصيات ذلك زماناً ومكاناً ، كما دلت على مدى أختصاص حبر الأمة بالرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى خصّه بوصايا أخلاقية ذكرنا بعضها ، ولكنا
_______________________
(١) المعجم الكبير ١٠ / ٢٨٣ ط الموصل ، ورواه الترمذي برقم / ٣٤٧٩ ، والبيهقي في الدعوات الكبير / ٦٩ ، وقارن تهذيب ابن عساكر ٥ / ٢٠٧.
(٢) الاصابة ١ / ٤١٤ ترجمة خالد بن الوليد.
(٣) مصنف ابن أبي شيبة ٢ / ٥٣٢ و ١٠ / ٥٥٢.