٣ ـ ما معنى قول عمر : « حسبنا كتاب الله » ؟ أليس يدل على فهمه أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه كان للوجوب فأراد دفع من يقوم بالامتثال عنه ، وإسقاط حجة قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالكلية. ولو لم يكن فهم لزوم الأمتثال لما أحتاج إلى قوله : « حسبنا كتاب الله ».
٤ ـ ما معنى بكاء حبر الأمة عبد الله بن عباس رضياللهعنه وقوله : « الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبين كتابة الكتاب » ؟ أليس يدل ذلك على فوات أمر عظيم وخطير ، وله أثر كبير في حياة الأمة فاستدعى فواته ذلك البكاء حتى يبلّ دمعه الحصى. ولو كان الفائت أمراً أختيارياً لما لزم ذلك البكاء ؟ ولما لزم التعبير عنه ب (الرزية كلّ الرزية) ولعيب عليه ذلك التوجع والتفجع ، فكم هناك من أمور مندوبة وأحكام مستحبة تركها الناس في أيامه ، بل وحتى تغيير بعض الفرائض فلم ينعها ولم يذكر عنه أنّه بكى لها ، ولم ينقل التاريخ عنه أنّه عبّر عن فوت واجب آخر بأنه رزية فضلاً عن المندوب.
٥ ـ وأخيراً من أين للمازري اثبات فهم عمر دون غيره بأن أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان عن غير قصد جازم ، وهذا لا يعلم إلّا من قبل عمر نفسه ، ولم يرد عنه في ذلك شيء.
ثمّ إنّ ما ذهب إليه المازري لم يتابعه عليه أحد يعتد به ـ فيما أعلم ـ إلّا رجل واحد من المتأخرين هو السيد عبد الرحيم الطهطاوي (١).
أمّا باقي أعلام قومه كالقاضي عياض والقرطبي وابن حجر وغيرهم فقد ذهبوا إلى عكس ما قاله المازري وقالوا بان عمر فهم الوجوب ، وإنّما
_______________________
(١) اُنظر كتابه هداية الباري ١ / ٨.