ولا يفوتني تنبيه القارئ إلى أنّ النووي لم يكن بدعاً في قومه فله أمثال ابن بطال والقسطلاني من شرّاح البخاري الّذين يذهبون مذهبه فقد قالوا : وعمر أفقه من ابن عباس حيث أكتفى بالقرآن ولم يكتف ابن عباس به ! ولا حاجة بنا إلى إبطال أقوال ابن بطال وغيره فهم في التزوير أبطال ، ولكن لابدّ من وقفة قصيرة للموازنة بين فقه عمر وبين فقه ابن عباس ، بعد معرفة معنى الفقه.
فأقول : لقد جاء في (المفردات في غريب القرآن الكريم) للراغب الأصبهاني ، مادة : فقه : (الفقه) : هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد ، فهو أخص من العلم ... ويعني بذلك أنّ فقه الشيء يحتاج إلى جهد ذهني من الإنسان ليصل إلى فهم أمره ، إمّا باستنباط من أمر ، أو ظاهر نص يجده.
أمّا العلم فهو قد يحصل دون جهد وتفكير ، وقد يحصل ببذل جهد أيضاً ، فالفقه أخص من العلم ، فكم من عالم ليس بفقيه ، ولذلك قال علماء اللغة : الفقه هو الفهم ، أي فهم حقيقة الشيء وإدراك معناه ، ولهذا نفى الله تعالى الفقه عن الكفّار فقال : ( لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا ) (١). وإذا عرفنا معنى الفقه وأنّه الفهم لحقيقة الأمر ، فلنرجع إلى مقالة ابن بطال والنووي لنرى مَن هو الأفقه من الرجلين ابن عباس أو عمر ؟
لا أريد أستباق الشواهد الدالة على أفقهية ابن عباس وللحديث عنها مجال آخر. ولكن لابدّ لي من ذكر شاهد واحد يصلح للموازنة بين الرجلين وذلك ما أخرجه جملة من أئمّة الحديث ممّن لا يتهمون في نقله كابن الجوزي والحاكم والبيهقي وابن كثير وابن حجر والسيوطي وغيرهم.
_______________________
(١) الأعراف / ١٧٩.