قال في كتاب الاعتصام : ولقد كان عليهالسلام حريصاً على إلفتنا وهدايتنا ، حتى ثبت من حديث ابن عباس رضياللهعنهما أنّه قال : لمّا حُضر النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم قال وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب رضياللهعنهم ـ فقال : (هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده) فقال عمر : انّ النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله ، واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول كما قال عمر ، فلمّا كثر اللغط والاختلاف عند النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم قال : (قوموا عني) فكان ابن عباس يقول : الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.
فكان ذلك ـ والله أعلم ـ وحياً أوحى الله إليه أنّه إن كتب لهم ذلك الكتاب لم يضلوا بعده البتة ، فتخرج الأمة عن مقتضى قوله : ( وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) بدخولها تحت قوله : ( إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ) (١). فأبى الله إلّا ما سبق به علمه من أختلافهم كما أختلف غيرهم.
رضينا بقضاء الله وقدره ، ونسأله أن يثبتنا على الكتاب والسنّة ويميتنا على ذلك بفضله (٢).
لعل القارئ أدرك كيف حاول الشاطبي أستغفال القرّاء في تبريره ، ومراوغته ، فهو حين يبدو حريصاً على إظهار نفسه بواقعية مقبولة يكسب فيها
_______________________
(١) الحديد / ٧.
(٢) الاعتصام ٣ / ١٢.