وهذا من شراح صحيح البخاري ومعاصر لابن حجر ، وقيل في كتابه (عمدة القاري) سطو على فتح الباري ، ولا يعنينا هذا بقدر ما يعنينا ما جاء فيه من قوله : « قوله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : (لا ينبغي عندي التنازع) ، فيه إشعار بأن الأولى كان المبادرة إلى أمتثال الأمر وإن كان ما أختاره عمر صواباً » (١) ؟
أقول : أتريد تهالكاً في التبرير أكثر من هذا ، الأولى المبادرة إلى امتثال أمره صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإن كان ما اختاره عمر صواباً ؟ لماذا ؟ فإن كان مراده لفظ (لا ينبغي) إنّما يدل على الكراهة ، كما أنّ لفظ ينبغي يدل على الاستحباب ، فمن أجل ذلك يكون فيه اشعار بأولوية المبادرة ، فيكون ما اختاره عمر صواباً وان كان خلافاً لما هو أولى ، فهذا إنّما يتم له لو كان خالياً عن القرينة ، فكيف والقرينة حالية ومقالية. فالحالية زمان ومكان الصدور والمقالية :
أوّلاً : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إئتوني) هو أمر والأمر ظاهر في الوجوب إلّا أن تكون قرينة صارفة وليست في المقام.
ثانياً : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (لن تضلوا بعده أبداً) وهذا نص في أنّ الحقّ هو إمتثال أمره وعند عدمه لابدّ أن يبقوا عرضة للضلال ، فماذا بعد الحقّ إلّا الضلال. وهل ترك المندوب يوجب الضلال ؟
ثالثاً : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (قوموا عني) فلو لم يكن أمره للوجوب لما كان لتنازعهم معنى ، كما لا موجب لطردهم من بيته.
رابعاً : بكاء ابن عباس رضياللهعنه حتى يبلّ دمعه الحصى. فهل كان لفوات إمتثالهم أمراً ندبياً ؟ أم أنّ بكاءه يدل على تفويتهم أمراً وجوبياً يعصمهم وجميع الأمة من
_______________________
(١) عمدة القاري ٢ / ١٧٢.