ولو كان شيئاً آخر لأمرهم به ثانياً وثالثاً. لأنّه عاش صلّى الله عليه (وآله) وسلّم مفيقاً بعد ذلك أياماً ، ومع ذلك روي أنّه صلّى الله عليه (وآله) وسلّم أمر عليّاً باحضار القرطاس والدواة ، فخاف عليّ فوته بعد أن يذهب ، فقال يا رسول الله : أسمع وأعي ، فبيّن له رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم من أحكام الصدقات ، واخراج الكفّار من جزيرة العرب ، وإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزهم ، والإستيصاء بالأنصار خيراً ، وغير ما بيّن أكثره قبل ذلك أيضاً.
فبعد ذلك لم يبق مجال في أن يتمسك بشبهة ابن عباس رضياللهعنه ، ويقال ما يقال في خيار الصحابة ، لأنّه كان حديث السن مناهز البلوغ ، والاعتبار بما فهمه كبّار الصحابة (١). إلى هنا انتهى ما قاله الدهلوي.
هذا قول الدهلوي ، وهو محق في أوّله ومبطل في آخره !
وبيان ذلك : انّ المقام من مزالق الأقدام ويكفي ما قدّمناه من نماذج لعلماء التبرير أمثال الخطابي وابن حزم والبيهقي والمازري وعياض وابن الأثير والنووي وابن تيمية وابن حجر والقسطلاني والوشتابي والعيني وغيرهم ممّن ورد ذكرهم تبعاً كابن بطال والنويري والقرطبي والطهطاوي وأضرابهم. فجميع هؤلاء الأعلام ممّن زلّت قدمه في سبيل تبرير عمر من سوء كلمته. ولم يكن الدهلوي آخرهم ، بل هو أسوأ فهماً منهم ، فقد خبط خبط عشواء ، وأستدل مكابراً بالهباء ، وذلك منه منتهى الغباء ، ولو لم يكن غبيّاً لما قال : إنّ الاعتبار بما فهمه كبار الصحابة وضرب مثلاً بعليّ وأبي بكر. وهم فهموا مراده بالكتابة ليس إلّا تأكيد ما جاء في
_______________________
(١) شرح تراجم أبواب صحيح البخاري للدهلوي / ١٤ ، ط حيدر اباد.