ولمّا رأى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حالة المسلمين يومئذ وما أحدق بهم من شر مستطير ، لابدّ له من اتخاذ تدبير وقائي لوحدة الصف ، وما ذلك إلّا إبعاد عناصر الشغب الّذين كان يخشى منهم الجفاء والعِداء لولي الأمر من بعده ، لتخلو المدينة منهم ويصفو الجو لخليفته الّذي أمرته السماء بنصبه يوم الغدير. وقد تبين له ـ والوحي يخبره ويأمره ـ انّ الحاقدين والموتورين ممّن وترهم عليّ في سبيل الدين ـ فقتل آباءهم وأخوانهم وعشيرتهم ـ قد بدت منهم كوامن الشحناء على وجوههم ، وبدأ التآمر والكيد. كلّ ذلك أحسّ به النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ورأى دنوّ أجله ، فلابدّ له من اتخاذ ذلك التدبير الوقائي الّذي لو تمّ ، لتمّ الأمر لولي الأمر دون منازع.
فأمر بتجهيز جيش أسامة إلى بلاد مؤتة ، وفي
تأميره شاباً لم يتجاوز العشرين من عمره على قيادة جيش يضم من شيوخ المهاجرين والأنصار أشخاصاً بأعيانهم مؤكداً عليهم الخروج ، ولعن المتخلف منهم ، كلّ ذلك له دلالة واضحة وعملية ، على أنّ الفضل للكفاءة وليس للسنّ مهما كان صاحبه وإنّ هذا الاجراء الاحتياطي الوقائي لو تمّ لكانت الأمة في راحة من عناء الشقاء والشقاق ، والّذي لم تزل ولا تزال تكتوي بناره ، فهو صلىاللهعليهوآلهوسلم
حين أختار أسامة دون غيره ممّن سبق له أن ولاهم قيادة السرايا في الغزوات ، كان يعطي أمته درساً بليغاً بأنّ الجدارة والاستحقاق إنّما تكونان بقدر الكفاءة لا بقدر السنّ ، ولا شك أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
لم يرشح في توليته الرجال للمناصب إلّا مستحقي الجدارة ، فمن