وهذا هو الّذي لم يخف على التابعين وتابعي التابعين ، وحتى علماء التدوين ، لذلك أجهزوا عليه فحرّفوه وزوّروا فيه ، وقد مرّت رواياتهم في صور الحديث وستأتي شواهد أخرى.
وهذا هو الّذي تهرّب من ذكره صراحة بشكل وآخر علماء التبرير ، فحاولوا جاهدين ليكتموا الحقّ ، فقالوا أنّه اراد أن يكتب لأبي بكر ، ولعمري لو كان ذلك صحيحاً لكان عمر أوّل المجيبين المستحبين. ولكن ذلك شأن الجدليين المعاندين ، أيغالاً في صرف النظر عن حق الإمام عليّ عليهالسلام الّذي أراد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يكتب له ذلك الكتاب ، فأمعنوا في إخفاء الحقيقة. وهيهات أن تخفى الشمس وإن جللها السحاب.
والجواب على هذا يستدعي مُقدمة نعرف منها دور الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك. وتلك هي أن ننظر بتجرّد وموضوعية إلى ذلك الدور ، فهل كان صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه مأموراً ؟ أو مختاراً ؟ إذ لا يخلو من هاتين الحالتين.
فإن كان مأموراً ـ وهو لابدّ أن يكون كذلك كما هو شأن الرسالة ( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) (١) ـ وما كان شأنه في التبليغ إلّا على حد قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٢).
_______________________
(١) النور / ٥٤.
(٢) المائدة / ٦٧.