وليعلم القارئ أنّه لم يكن ابن عباس وحده يرفض ذلك فعن أم سلمة ورد مثل ذلك كما مرّ (١) وعن عمر مايؤيده أيضاً (٢).
لقد مرّت بنا كلمة عمر ـ مراراً ـ « فمنعت من ذلك اشفاقاً وحيطة على الإسلام » ؟ كما مرّ في أقوال علماء التبرير انّ ذلك اشفاقاً منه على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومرت كلمته الأخرى : « أراد أن يذكره للأمر في مرضه فصددت عنه خوفاً من الفتنة » ، وليس فيها من الشفقة شيء ، وقد استوجب ذلك علينا أن نعمل الموازنة في الشفقة على المسلمين والرفق بهم بين الرسول الكريم الأمين صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبين عمر.
وإنّها من سخرية القدر واحدى الكبر ، ولكن فرضها علينا أبناء عمر ورددها الببغائيون فلا ضير ولاجير في ذلك :
فالرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي وصفه الله تعالى بقوله : ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٣) ، وقال فيه تعالى مخاطباً المؤمنين : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٤) ، فهل بعد هذا من مجال للقول ؟ أم هل يكون من المقبول والمعقول أن لايكون شفيقاً رفيقاً بالمؤمنين ويكون عمر هو الشفيق الرفيق فيحتاط على الإسلام ويخاف الفتنة ؟!
_______________________
(١) مسند أحمد ٦ / ٣٠٠ ط مصر الاُولى ، والخصائص للنسائي / ٤٠ ط التقدم بمصر ، ومستدرك الحاكم ٣ / ١٣٨ ـ ١٣٩ ، والرياض النضرة ٢ / ١٨٠ ط الخانجي ، وذخائر العقبى / ٧٢ ط القدسي ، ومجمع الزوائد ٩ / ١١٢ ، وتذكرة الخواص / ٤٧ ط الغري.
(٢) طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ٥١.
(٣) القلم / ٤.
(٤) التوبة / ١٢٨.