نشأ عبد الله بين أحضان الفضيلة وحجور الكرامة ، تحت رعاية أبيه العباس الذي كان يتولى سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، وكلاهما من المآثر التي ورثها عن آبائه.
ومن الطبيعي أن يكون ابنه عبد الله أدرك في أيام طفولته ما كان يقوم به أبوه في سبيل هاتين المكرمتين. كما أنه من الطبيعي أدرك ما كان يدور في بيوت أهله من حديث الإسلام والمسلمين ، ومثابرة الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم في سبيل دعوته ، ومناوأة قريش له ، لأن تلك هي الظاهرة التي تلفت النظر ، ويظهر من شعر أم الفضل حين كانت ترقصه ، انها كانت تعقد عليه أملاً كبيراً في المستقبل ، وتتوسم فيه أن يكون سيداً كآبائه فهي تقول :
ثكلت نفسي وثكلت بكري |
|
إن لم يسد فهراً وغير فهر |
بالحسب العدّ وبذل الوفر |
|
حتى يوارى في ضريح القبر (١) |
وليس ثمة من تفصيل حول نشأته الأولى في مكة ، لكن الذي لا شك فيه أنّه أدرك في صباه ما كان يجري بمكة من خلال أحاديث أهل بيته ، وما يقال في الإسلام والمسلمين ، ولئن شككنا في إدراكه خروج أبيه العباس مع ابن عمه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلة العقبة (الثانية) لتوكيد العهد على الأنصار ، لصغر سنّه يومئذ إذ لم يتجاوز الثالثة من عمره ـ وإن كان أبوه كان يحدّث عن ذكريات طفولته وهو في مثل ذلك السن ، كما سيأتي في ترجمة حديثه عن مولد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لكن الذي لا شك فيه أنه وعى في طفولته ما كان عليه المسلمون بمكة. بعد الهجرة.
_______________________
(١) محمّد بن حبيب الهاشمي في المنمق / ٤٣٢ ط حيدر آباد ، والقالي في الامالي ٢ / ١١٨ ، وابن ظفر في أنباء نجباء الأبناء / ٧٩ ط الأولى بالتقدم بمصر.