وأمّا حقّ بطنك ، فأن لا تجعله وعاء لقيل من الحرام ولا لكثير ، وأن تقتصر له في الحلال ، ولا تخرجه من حدّ التّقوية إلى حدّ التّهوين وذهاب المروّة ، وضبطه إذا همّ بالجوع والظّمأ ، فإن الشّبع المنتهي بصاحبه [ الى التخم ] (٨) مكسلة ومثبطة ومقطعة عن كلّ برّ وكرم ، وأنّ الرّي المنتهي بصاحبه إلى السّكر ، مسخفة ومجهلة ومذهبة للمروّة .
وأمّا حقّ فرجك ، فحفظه ممّا لا يحلّ لك ، والإِستعانة عليه بغض البصر ، فإنّه من أعون الأعوان ، وكثرة ذكر الموت ، والتّهدد لنفسك بالله ، والتّخويف لها به ، وبالله العصمة والتّأييد ، ولا حول ولا قوّة إلّا به .
ثمّ حقوق الأفعال :
فأمّا حقّ الصّلاة ، فأن تعلم أنّها وفادة إلى الله ، وأنّك قائم بها بين يدي الله ، فإذا علمت ذلك كنت خليقاً أن تقوم فيها مقام العبد الذّليل الراغب الرّاهب الخائف الرّاجي ، المسكين المتضرّع المعظم من قام بين يديه ، بالسّكون والإِطراق وخشوع الأطراف ، ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه ، والطّلب إليه في فكاك رقبتك ، الّتي أحاطت بها خطيئتك واستهلكتها ذنوبك ، ولا قوّة إلّا بالله .
وأمّا حقّ الصّوم ، فأن تعلم أنّه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك ، ليسترك به من النار ، وهكذا جاء في الحديث : الصّوم جُنّة من النّار ، فإن سكنت اطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوباً ، وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها ، وترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها ، بالنظرة الدّاعية للشهوة ، والقوّة الخارجة عن حد التقيّة لله ، لم تأمن أن تخرق [ الحجاب ] (٩) وتخرج منه ، ولا قوّة إلّا بالله .
وأمّا حقّ الصّدقة ، فأن تعلم أنّها ذخرك (١٠) عند ربّك ، ووديعتك التي
____________________________
(٨ ، ٩) أثبتناه من المصدر .
(١٠) في الطبعة الحجرية : دخول ، وما أثبتناه من المصدر .