الرشاء ، وأدت الحقوق النساء ، وقل الحياء ، وبرح الخفاء ، وانكشف الغطاء ، وأظلم الهواء ، واسود الأُفق ، وخيفت الطرق ، واشتد البأس ، وانفسد الناس ، وقربت الساعة ، وشنئت (١) القناعة ، وكثرت الأشرار ، وقلت الأخيار ، وانقطعت الأسفار ، وظهرت الأسرار ، وكثر اللواط ، وجارت السلاطين ، واستحوذت الشياطين ، وضعف الدين ، واكلوا مال اليتيم ، ونهروا المساكين ، وصارت المداهنة في القضاة ، والحروب في السلاطين ، والسفاهة في سائر الناس ، وتكافأ الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، وزخرفوا الجدارات ، وعلوا على القصور ، وشهدوا بالزور ، وضاقت المكاسب ، وعزت المطالب ، واستصغروا العظائم ، وعلت الفروج على السروج ، فحينئذٍ تصير السنة كالشهر ، والشهر كالإِسبوع ، والإِسبوع كاليوم ، واليوم كالساعة ، والساعة لا قيمة لها » قال جابر قلت : ومتى يكون ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : « إذا عمرت الزوراء ـ إلى أن قال ـ فحينئذٍ يظهر في آخر الزمان أقوام ، وجوههم وجوه الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين ، سفاكون الدماء أمثال الذئاب الضواري ، إن تابعتهم عابوك ، وإن غبت عنهم اغتابوك ، فالحليم فيهم غاو ، والغاوي فيهم حليم ، والمؤمن فيهم مستضعف ، والفاسق فيهم شريف ، صبيهم عارم ، وشابهم شاطر ، وشيخهم منافق ، لا يوقر صغيرهم كبيرهم ، ولا يعود غنيهم فقيرهم ، والإِلتجاء إليهم خزي ، وطلب ما في أيديهم فقر ، والعز بهم ذل ، إخوان العلانية أعداء السريرة ، فحينئذٍ يسلط الله عليهم أشرارهم ، ويدعو خيارهم فلا يستجاب لهم دعاؤهم ، فعند ذلك تأخذ السلاطين بالأقاويل ، والقضاة بالبراطيل (٢) ، والفقهاء بما يحكمون بالتأويل ، والصالحون يأكلون الدنيا بالدين » الخبر .
وهذه الخطبة طويلة معروفة ، قد نقل بعض أجزائها ابن شهر آشوب في
____________________________
(١) شَنَأ الشيء : كرهه وأبغضه . ( مجمع البحرين ( شنا ) ج ١ ص ٢٥٢ ) .
(٢) البراطيل : جمع برطيل ، وهو الرشوة . ( القاموس المحيط ج ٣ ص ٣٤٤ ) .