ولتنوير القارئ بشيء من سابقتي الرجلين الأشعث وأبي موسى نذكرهما بما قيل فيهما بشهادة سادة الصحابة :
أمّا الأشعث فقد كان ذا سابقة سيئة في الإسلام ، فقد أسلم أيام النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ ارتدّ بعد وفاته ، وألّب قومه حتى ورّطهم الحرب ، ثمّ أسلمهم وأسرع إلى المدينة إلى أبي بكر ليعصم دمه بالتوبة ، ولم يكتف حتى أصهر إلى أبي بكر على اخته أم فروة ، وخمل أيام عمر إلاّ أنّ عثمان في أيامه ولاه اذربيجان ، ولمّا تولى الإمام الخلافة عزله لخيانته ، وقد وصفه (عليه السلام) وصفاً رائعاً ودقيقاً فقال : (أمّا هذا الأعور ـ يعني الأشعث ـ فإنّ الله لم يرفع شرفاً إلاّ حسده ، ولا أظهر فضلاً إلاّ عابه ، وهو يمنّي نفسه ويخدعها ، يخاف ويرجو فهو بينهما لا يثق بواحد منهما ، وقد منّ الله عليه بأن جعله جباناً ، ولو كان شجاعاً لقتله الحقّ) (١).
قال ابن أبي الحديد : « كلّ فساد كان في خلافة عليّ (عليه السلام) ، وكلّ اضطراب حدث فأصله الأشعث ، ولولا محاقة أمير المؤمنين (عليه السلام) في معنى الحكومة في هذه المرّة لم يكن حرب النهروان ، ولكان أمير المؤمنين (عليه السلام) ينهض بهم إلى معاوية ويملك الشام ، فإنّه صلوات الله عليه حاول أن يسلك معهم مسلك التعريض والمواربة ، وفي المثل النبوي صلوات الله على قائله : الحرب خدعة ، وذاك إنّهم قالوا له تب إلى الله ممّا فعلت كما تبنا ننهض معك إلى حرب أهل الشام ، فقال لهم كلمة مجملة مرسلة يقولها الأنبياء والمعصومون وهي قوله : استغفر الله من كلّ ذنب ، فرضوا بها وعدّوها إجابة لهم إلى سؤالهم ، وصفت له (عليه السلام) نيّاتهم واستخلص بها ضمائرهم من غير أن تتضمن تلك الكلمة اعترافاً
____________
(١) أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد ٤ / ٥٤٥ في الحكم المنثورة برقم ٤٧٨.