لقد ذكر البلاذري في أنساب الأشراف ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ) فقال : « حدّثني عباس بن هشام ، عن أبيه عن جده عن أبي صالح قال : قدم معاوية مكة فلقيه ابن عباس. فقال له معاوية : عجباً للحسن شرب عسلة طائفية بماء رومة فمات منها! فقال ابن عباس : لئن هلك الحسن فلن ينسأ في أجلك ، قال : وأنت اليوم سيّد قومك. قال : أمّا ما بقي أبو عبد الله فلا » (١).
فهذا الخبر على ما في سنده من هناة إلاّ أنّه مقبول في الجملة لموافقة عدة أخبار له في ذكر جواب ابن عباس فهو ممّا يؤكد أنّ لقاءاً تم بين ابن عباس ومعاوية بعد موت الحسن ( عليه السلام ) وكان بمكة ، ولكن لا يشعر ذلك بأنّه أوّل لقاء كان بينهما. غير أنّ البلاذري ساق بعده خبراً آخر مسنداً فقال : « المدائني عن ابن جعدبة عن صالح بن كيسان قال : لقي معاوية ابن عباس بمكة فعزّاه عن الحسن فقال : لا يسوءك الله سوءاً يا أبا العباس ، فقال : لن يسوءني الله ما أبقاك يا أمير المؤمنين. فأمر له بمائة ألف درهم ـ قالوا ـ وبأكثر من ذلك وبكسوة ».
ثمّ قال البلاذري : « وسمعت من يحدّث أنّ وفاة الحسن اتت معاوية وعنده ابن عباس فقال له : عجبت للحسن شرب عسلاً بماء رومة فمات ، وعزى ابن عباس عنه فقال : لا يسوءك الله فقال ابن عباس : لا يسوءني الله يا أمير المؤمنين ما أبقاك ، فأمر له بألف ألف درهم » (٢).
فنحن الآن أمام هذه الأخبار الثلاث ، وعند الموازنة بينها نجد الثالث أوهاها حجة لإرساله ، وأمّا الأوّل والثاني فمع الإغماض عمّا في سنديهما من هناة كما
____________________
(١) أنساب الأشراف ٣ / ٦٢ تح ـ المحمودي.
(٢) نفس المصدر / ٦٣.