كان ابن عباس بفضل ذهنه الوقاد يستطلع المستقبل الموبوء الّذي سيواجهه العرب بعد موت الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ولا غرابة منه بعد أن مرّت بنا كلمة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فيه وأنّه ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق (١) ، وتعني أنّه كان مخترقاً زمان المستقبل بوعيه العميق للواقع ، ولمّا كان موت الإمام الحسن ( عليه السلام ) فضلاً عن المأساة هو نذير شر للعرب بكارثة سوف تحلّ قريباً بهم وبديارهم ، تضربهم بذل شامل.
لذلك قال ـ وهو يعيش مرارة المأساة والشعور بالإحباط ـ : « أوّل ذل دخل العرب موت الحسن بن عليّ ( عليهما السلام ) ».
روى ابن أبي الحديد عن أمالي أبي جعفر محمّد بن حبيب ( ت ٢٤٥ هـ ) قال ابن عباس : « أوّل ذل دخل على العرب موت الحسن بن عليّ ( عليهما السلام ) » (٢).
وروى ابن سعد ( ت ٢٣١ هـ ) هذه الكلمة لعمرو بن بعجة (٣).
ولدى التحقيق لمعرفة مَن هو قائل تلك الكلمة الّتي تنذر العرب بذلٍ شامل ، راجعنا ترجمة عمرو بن بعجة ، فوجدنا الذهبي يزنه في ميزانه بقوله : « لايعرف » ومن كان لا يُعرف كيف له أن يَعرف مدى تأثير موت الحسن ( عليه السلام ) على الأمة العربية (٤)؟
وعندي رواية ابن حبيب الّتي ذكرها ابن أبي الحديد أولى بالقبول ، لأنّ قائل الكلمة هو ابن عباس الّذي لا يعرف أثر فقد الإمام الحسن ( عليه السلام ) على العرب
____________________
(١) العقد الفريد ٢ / ١٨١.
(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ٤ / ٤ ط مصر الأولى.
(٣) طبقات ابن سعد ( ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام » ط الطائف.
(٤) طبقات ابن سعد ( ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام » ط الطائف.