وهذا الّذي ذكره ابن الأثير لعلّه أشبه بسيرة معاوية الرعناء في تلك الفترة ، وقد ذكر ابن كثير أيضاً في تاريخه في حوادث سنة ٥٦ أخذ البيعة ليزيد فقال : « فبايع له الناس في الأقاليم إلاّ عبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر والحسين بن عليّ وعبد الله بن الزبير وابن عباس ، فركب معاوية إلى مكة معتمراً ، فلمّا اجتاز بالمدينة ـ مرجعه من مكة ـ استدعى كلّ واحد من هؤلاء الخمسة فأوعده وتهدده بانفراده ... » (١).
وأحسب أنّ ما ذكره ابن الأثير وابن كثير أخذاه من الطبري بصورة مخففة » (٢) ، ففي تاريخه ذكر امتناع النفر الخمسة ، ثمّ ذكر كلام معاوية مع كلّ واحد من الأربعة على انفراد ، قال : ولم يذكر ابن عباس ، وهذا ممّا يلفت النظر لماذا لم يذكره؟ وهل ساءت العلاقة لحد القطيعة ، أم أنّه رضي بالبيعة فلم يرسل عليه فيتهدده؟ أم أنّ معاوية أراد أن لا يقطع الشعرة بحد الشفرة؟ لابدّ لنا من البحث في ذلك.
ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة كلام معاوية مع النفر مهدداً ومتوعداً بالقتل كما مرّ ، ثمّ قال : « فلمّا كان صبيحة اليوم الثاني أمر بفراش فوضع له وسوّيت مقاعد الخاصة حوله وتلقاءه من أهله ، ثمّ خرج وعليه حلة يمانية وعمامة دكناء وقد أسبل طرفها بين كتفيه ، وقد تغلّف وتعطّر فقعد على سريره ، وأجلس كتّابه منه بحيث يسمعون ما يأمر به ، وأمر حاجبه أن لا يأذن لأحد من
____________________
(١) البداية والنهاية ٨ / ٧٩.
(٢) تاريخ الطبري ٥ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ط محققة.