وقد تلاعبت الأهواء بهذا الخبر فقلبت المسألة وجعلت ابن عباس الفاعل ومعاوية هو المنكر ، وسيأتي مزيد بيان عن ذلك في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.
قال المؤرخون : « ولمّا قرب من مكة خرج الناس يستقبلونه وفيهم النفر الّذين توعّدهم وهدّد بقتلهم. فلمّا رأى الحسين قال : مرحباً بابن رسول الله وسيّد شباب المسلمين ، قربّوا لأبي عبد الله دابة ، وقال لعبد الله بن الزبير مرحباً بابن حواري رسول الله وابن عمته هاتوا له دابة ، وقال لابن عمر : مرحباً بصاحب رسول الله وابن الفاروق ، هاتوا له دابة ، وقال لعبد الرحمن بن أبي بكر : مرحباً بشيخ قريش وسيدها وابن الصدّيق هاتوا له دابة.
وجعلت ألطافه تدخل عليهم ظاهرة يراها الناس ، ويحسن إذنهم وشفاعتهم ، وحملهم على الدواب ، وخرج حتى أتى مكة فقضى حجه ، ولما أراد الشخوص أمر بأثقاله فقدّمت ، وأمر بالمنبر فقرّب من الكعبة ، ثمّ أرسل إلى النفر الخمسة وهم الحسين ابن عليّ وابن عباس وابن الزبير وابن عمر وابن أبي بكر فأحضرهم وقال لهم : قد علمتم نظري لكم وتعطفي عليكم ، وصلتي أرحامكم ، ويزيد أخوكم وابن عمكم ، وإنّما أردت أن أقدّمه باسم الخلافة وتكونوا أنتم تأمرون وتنهون. فسكتوا ، فقال : أجيبوا. فابتدر ابن الزبير فقال : نخيّرك بعدُ إحدى ثلاث أيها أخذت فهي لك رغبة وفيها خيار : إن شئت فاصنع فينا ما صنعه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قبضه الله ولم يستخلف أحداً ، فرأى المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر فدع هذا الأمر حتى يختار الناس لأنفسهم.