ـ قال الله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ) (١) ، ومعلوم أنّ استلحاق زياد حكم بغير ما أنزل الله تعالى.
ومن شاء الاستزادة من معرفة رأي ابن عباس فليرجع إلى محاوراته ومراسلاته مع معاوية وأصحابه ، فسيجد الكثير الكثير ممّا يكذّب المفتريات عليه الّتي تشدّق بها شعوّط في أضاليله المضلِلة ، وقد بيّنا عوار المسندة منها والمرسلة ( مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِبًا ) (٢) ، ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) (٣) ، ( فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) (٤).
وما دمنا بعدُ نعيش تاريخ ابن عباس أيام حكم معاوية ، وقد ذكرنا بعض ما افتراه الّذين لا يوقنون على ابن عباس ممّا ظنوه يرفع خسيسة معاوية ، ولو بالزور والبهتان ، عسى أن تنطلي تلك الأكاذيب على السذّج من الناس ، وقد غفلوا أنّ حبل الكذب قصير ، والباحث ناقدٌ بصير ، لا يغشّه التزوير والتحوير.
وإنّي لأعجب من أئمّة الحديث أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد كيف تهالكوا في سبيل معاوية ليثبتوا له ما ظنّوه له فضيلة ، وقد مرّت بنا شواهد ذلك ،
____________________
مؤمناً ، ومن خرج منه كافراً ) ولا شك أن معاوية كان خارج ذلك الباب ، قال الله تعالى : ( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) البقرة / ٥٨ ـ ٥٩.
(١) المائدة / ٤٤.
(٢) الكهف / ٥.
(٣) الكهف / ١٠٤.
(٤) البقرة / ٧٩.