« إنّ معاوية .... فهذه أكفانه فنحن مدرجوه ومدخلوه قبره ومخلّون بينه وبين عمله ثمّ هو البرزخ إلى يوم القيامة ، فمن كان منكم يريد أن يشهده فليحضر عند الأولى ـ يعني الظهر ـ وبعث البريد إلى يزيد ... » (١). فلو كان لأصل القضية المزعومة أساس ثابت لأعلنه الضحاك ، ولا أقل من الإشارة والإشادة بأنّ في أكفانه هذه ثوب كساه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأدخره لهذا اليوم ، ونحن مكفنوه فيه ، وأنّ ثمة شعر وقلامة ظفر (؟) ولكن القضية كلّها من نسج الهوى فلا قميص ولا شعر ولا قلامة ظفر ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ) (٢).
لقد مرّ بنا تهديد ووعيد لمن لم يبايع يزيد ، ومرّ بنا إقامة معاوية الحرس بالسيوف على رؤوس الأربعة ممّن أبى مبايعته ، وخادع الناس وضلّلهم بأنّ أولئك النفر قد بايعوا ، ومرّ بنا حرمان بني هاشم من جوائزهم أسوة ببقية قريش كوسيلة ضغط على الحسين ( عليه السلام ) ولا أقل من بذر الخلاف بين بني هاشم لتفتيت مجتمعهم وتشتيت تضامنهم. ومرّ بنا لحوق ابن عباس له فادركه بالروحاء ـ موضع على خمسة أو ستة وثلاثين ميلاً من المدينة وبه آبار كثيرة معروفة (٣) وهدده إن لم يخرج جوائز بني هاشم ليلحقنّ بساحل من سواحل الشام ويقول ما يعلم وليتركنّهم عليه خوارج ، فأحسّ معاوية بخطر ذلك التهديد فانصاع وقال : بل أعطيكم جوائزكم وكان هذا الموقف آخر لقاء بين ابن عباس وبين معاوية ، وآخر ما سمعه معاوية من تهديد ينذر بنجوم خطر عليه ما لم يعط بني هاشم
____________________
(١) تاريخ الطبري ٥ / ٣٢٨.
(٢) آل عمران / ٦٢.
(٣) المناسك تحقيق محمّد الجاسر / ٤٤٥.