فبعد هذا كلّه كيف يستغرب من ابن عباس إصراره على صرف نظر الحسين ( عليه السلام ) عن التوجه إلى العراق. فهو حين يصرّ كان مستبصراً بالمصير المحتوم ، ومتشائماً ممّا ستنتهي إليه تلك الرحلة ، ومتيقناً إن ذلك اليوم سيكون آخر العهد بأبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ). وليست المسألة قضية غلبة العاطفة فحسب وإن كان لها دورها ، ولكن ابن عباس كان يخشى وقوع المحذور ، ويترجى بلعل وعسى تأخير المقدور ، ومهما يكن فها هو الحسين قد شاع في الناس خبر عزمه على الخروج ، فاهتزت لذلك النبأ المشاعر الصادقة منها والكاذبة حتى وصف ابن عباس حالهم بالإرجاف ، وهو وصف دقيق في التعبير وبليغ في التصوير. فالناس إذا خاضوا في أخبار الفتن ونحوها قيل أرجفوا ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ) (١) ، والإرجاف كالزلزال يعمّ الصديق والعدو ، والمؤمن والمنافق ، والذكر والأنثى.
لقد وردت عدة روايات عدا ما تقدم من حوار بين ابن عباس وبين الحسين حول عزم الحسين على الخروج إلى العراق :
أ ـ فمنها ما روى ابن جرير الطبري العامي وابن أعثم الكوفي والخوارزمي وغيرهم بتفاوت وألفاظ متقاربة ، واللفظ للأوّل :
قال أبو مخنف : « وحدّثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان أنّ حسيناً لمّا أجمع المسير إلى الكوفة ، أتاه عبد الله بن عباس فقال : يا بن عم إنّك قد أرجف الناس أنّك سائر إلى العراق فبيّن لي ما أنت صانع؟
____________________
(١) الأحزاب / ٦٠.