وسارت القافلة وكلّما ابتعدت في سيرها عن مكة اقتربت من موطن الخطر الّذي يخشى ابن عباس فيه نزول البلاء ، فيزداد وجله ووجيب قلبه ، وبقي يتطلع الأخبار عمّا حلّ بالركب الميمون المحزون ، وبلغه نزولهم بأرض الطف ـ فيما أحسب ـ من كتاب الحسين ( عليه السلام ) إلى أخيه محمّد بن عليّ ومَن قبله من بني هاشم الّذي بعثه من كربلا وفيه : « أمّا بعد فكأنّ الدنيا لم تكن وكأنّ الآخرة لم تزل والسلام » وهذا كتاب رواه ابن قولويه (١). وعلم ابن عباس أنّه قد حُمّ القضاء ، وهذا ما حاول دفعه من قبل وقوعه. ولكن لا راد لأمر الله تعالى.
وروى الرواة : أنّه لمّا أحاط العدو بأهل البيت ومنعوهم الماء وخطبهم الحسين ( عليه السلام ) وتعالت صيحات الأطفال والنساء وسمعهم الحسين ( عليه السلام ) قال الرواة : إنّه قال : لا يبعد الله ابن عباس (٢). وقالوا : فظننا أنّه إنّما قالها حين سمع بكائهن ، لأنّه قد كان نهاه أن يخرج بهن.
وإنّي على شك من صحة هذا الخبر! لأنّه مقولة إنسان حائر خائر ، كمن يعضّ بضرس الندم ، وهذا يبعده عن الحقيقة الّتي كان الحسين ( عليه السلام ) يعلمها وقد صمم على بلوغها : ( شاء الله أن يراني قتيلاً. شاء الله أن يراهنّ سبايا ).
لقد كانت رؤيا ابن عباس للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في منامه وسط النهار بمثابة نذير شر مستطير سيحيق بالأمة من جراء حكم يزيد ، وهذا ما حدث فعلاً ـ كما سيأتي بيانه.
____________________
(١) كامل الزيارات / ٧٥ وسنده صحيح.
(٢) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٧٩ ط السعادة بمصر.