تلك هي السبع العجاف الّتي عاشها ابن عباس بعد مقتل أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) ، فقد رأى فيها من أذى يزيد ما لم يتوقع أن يراه مَن هو في سنّه وهو ينيف على الستين من عمره ، وهو هو في شأنه وفضله مع فقده بصره ، لكن بني أمية لم يتركوا حرمة مسلم إلاّ انتهكوها ، وزاد عليهم في ابتلاء ابن عباس مضايقة ابن الزبير له حيث أراده على مبايعته فامتنع ، فصار ابن الزبير يشهّر به حتى على المنبر كما سيجيء بيان ذلك ، وهو مع ذلك الحال لم يترك كلمة الحقّ ينطق بها سرّاً وإعلاناً ، تحريراً وبياناً ، وكان أشدّ ما يزعجه شماتة الأعداء كابن الزبير وأشباهه ، لذلك فيما يبدو كان يكتم خبر شهادة الحسين ( عليه السلام ) بمكة وقد وافاها قبل بلوغ الخبر إلى أهلها.
وروى ابن سعد بسنده عن ابن أبي مليكة ـ وسنده فيه ضعيف ـ قال : « بينما ابن عباس جالس في المسجد الحرام وهو يتوقع خبر الحسين بن عليّ إلى أن أتاه آتٍ فسارّه بشيء فأظهر الإسترجاع فقلنا : ما حدث يا أبا العباس؟ قال : مصيبة عظيمة نحتسبها أخبرني مولاي أنّه سمع ابن الزبير يقول : قتل الحسين بن عليّ. فلم يبرح حتى جاءه ابن الزبير فعزّاه ثمّ انصرف.
فقام ابن عباس فدخل منزله ودخل عليه الناس يعزّونه. فقال : إنّه ليعدل عندي مصيبة حسين شماتة ابن الزبير أترون مشي ابن الزبير إليّ يعزّيني ، إنّ ذلك منه إلاّ شماتة » (١).
____________________
(١) طبقات ابن سعد في ترجمة الحسين ( عليه السلام ) / ٤٩٣ تح ـ السُلمي ، وتاريخ ابن عساكر ترجمة الحسين / ٢٦٤ تح ـ المحمودي.