قال ابن عباس : يا أبا صفوان أما والله لا يخلد بعدُ صاحبُك الشامت بموته.
فقال ابن صفوان : يا أبا العباس والله ما رأيت ذلك منه ، ولقد رأيته محزوناً بمقتله ، كثير الترحّم عليه.
قال : يريك ذلك لما يعلم من مودّتك لنا ، فوصل الله رحمك ، لا يحبّنا ابن الزبير أبداً.
قال ابن صفوان : فخذ بالفضل فأنت أولى به منه » (١).
لقد عاشت الأمة الإسلامية في الحرمين الشريفين في المدينة المنورة ومكة المكرمة من بعد شهادة الإمام الحسين ( عليه السلام ) حالة من التفكك والانقسام لحد الإنفصام ، فالولاة والحاكمون من الأمويين يشعرون بغضب إسلامي عارم عام لمقتل سيّد الشهداء ، فذرّ بينهم وبين المسلمين قرن الخلاف وشعروا بالمهانة والكراهية ، وزاد الطين بلة تشهير ابن الزبير بهم ، وقد التفّ حوله جمهورٌ من الحرمين فبايعوه وخلعوا بيعة يزيد ، وبين هؤلاء وهؤلاء مَن هم على الحياد ـ لو صح التعبير ـ كابن عباس وبقية بني هاشم ، وبعد أولئك وأولا رهط الأنصار ومَن شايعهم من أبناء المهاجرين الّذين خلعوا بيعة يزيد وأمّروا عليهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة وعبد الله بن مطيع على قريش ، وفي خضم الإنقسامات لابدّ من التدافع حتى ولو أشهرت السيوف اللوامع ، وهكذا بقي بنو هاشم بمنأى عن ذلك التنازع ، وكأنّهم يعيشون خارج الزمن وإن كانوا بعد أحياء ، ومع ذلك الاعتزال فلا يزالون
____________________
(١) نفس المصدر / ٤٩٤.