أخرج أحمد والترمذي وغيرهم من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنّه قال : ( أشد الناس بلاءً الأنبياء ، ثمّ الأمثل فالأمثل ، يبتلى المرء على حسب دينه ، فان كان في دينه صلباً اشتدّ بلاؤه ، وإن كان في دينه رقة ابتلي قدر دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي وما عليه خطيئة ) (١).
ولمّا كان أهل البيت ( عليهم السلام ) ومَن كان منهم ومعهم حسباً ونسباً ، هم أهل البلاء والاصطفاء ارتضاهم الله سبحانه لمرضاته بنزول بلائه ، لأنّهم أصدق الناس ايماناً وأرسخهم يقيناً ، فلا بدع لو اكتنفتهم البأساء والضرّاء ، فهم أولى الناس بمواقف الشرف والإباء ، والبطولة والفداء.
وكان ابن عباس من أولئك الصفوة الّذين توالى عليهم البلاء ، فكان صبوراً لم يجزع عند المحنة ولم يخنع من قلة أو ذلّة. ومن يقرأ التاريخ في أيام ابن الزبير وحكومة المروانيين ، يقرأ تاريخاً مليئاً بالمآسي والآلام ، طافحاً بجرائم الآثام ، بما حلّ بالمسلمين من تشرذم في الأهواء وسفك للدماء.
ولابدّ لنا أن نذكر بعض ما قاساه ابن عباس من مرارة الحياة في تلك الفترة العصيبة ، وما أصابه من طغاة الحكام وجورهم ، حيث لم يخضع لواحدٍ منهم سواء ابن الزبير أو المروانيين.
في فتنة ابن الزبير بمكة المكرمة ، حدثت لابن عباس مع ابن الزبير أحداث متتابعة ، عاش محنتها بقية السنين السبع العجاف من بعد مقتل سيّد الشهداء الحسين بن عليّ ( عليه السلام ).
____________________
(١) مسند أحمد ١ / ١٧٢ ، سنن الترمذي ٤ / ٢٨.