وصاروا يراجعون في أحكامهم ابن عباس ، فكان نجدة بن عامر رئيس النجدات يكاتبه في مسائله ، وكان هو ونافع بن الأزرق ـ رئيس الأزارقة ـ يأتون إليه بمكة فيسألونه ، ومسائل نافع بن الأزرق في غريب القرآن مشهورة وهي مسائل حظيت بالجمع والشرح من بعض الدارسين وستأتي في الحلقة الثالثة ان شاء الله تعالى.
ومن الطبيعي أن تثير تلك المراجعة حفيظة ابن الزبير وتزيد من حنقه على ابن عباس ، مضافاً إلى عوامل أخرى أجّجت في نفسه نار البغضاء ، سنأتي على ذكرها. فصار يخشى الثورة عليه من جانب ابن عباس لو أراد ذلك ، فتجسّس عليه وتحسس رأيه على لسان ابن أبي مليكة قاضيه ومؤذنه ـ كما سيأتي حديثه ، وهكذا بقي ابن الزبير يترقّب الفرصة للوقيعة بابن عباس ، وقد وافته في أخريات أيام ابن عباس ، وسيأتي خبر ما جرى بتفصيل.
والآن إلى بيان ما أشرنا إليه من الأحداث المتتابعة :
لقد أسرف كثيرون في القول كثيراً حين قالوا بعاصمية الصحبة لكل الصحابة ، كما أفرط آخرون فقالوا بعكس ذلك ، والوسط خير من جميع ذلك ، فالصحابة أناس من البشر يجري منهم وبينهم كما يجري من وبين سائر الناس من حب وبغض ، وطاعة ومعصية ، وأحاديث الحوض الّتي رواها الشيخان البخاري ومسلم في أكثر من مكان في صحيحهما ، تكفي في إدانة من يقول بعصمة الصحابة أجمعين. فبعد هذا لا غرابة إذا ما قرأنا عن الصحابة ابن عباس وابن عمر وعبيد الله بن عمرو بن العاص وأبي برزة ما يفسق ابن الزبير المعدود من الصحابة ، وأنّهم جميعاً على حجتهم الواضحة في ذلك التجريح ، فقد وصفوه بالمستحل لحرم الله تعالى ، وحسبنا ما رواه الحاكم بإسناده عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت : « قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( ستة لعنتهم ولعنهم الله وكلّ نبيّ مجاب : المكذّب بقدر الله ،