وعلينا الآن الرجوع إلى الرواة لنقرأ ما ذكروه عن أوّل لقاء بينهما بعد قطيعة استدامت قرابة عقد من الزمن ، فهما لم يجتمعا منذ أيام عثمان ، ولعل آخر اجتماع بينهما حين بعثهما عثمان حكمَين بين عقيل وزوجته فاطمة بنت عتبة وقد مرّ الحديث عن ذلك. ومهما يكن فلا شك انّه ازدادت القطيعة سوءاً في حرب صفين ، ولم ننس ما مرّ بنا من محاولة معاوية استدراجه بخديعة المراسلة حين ضاق به الخناق من جيش الإمام وبسالة قوّاده ومنهم ابن عباس الّذي كان على الميسرة ، ومرت بنا مواقفه قيادة ومنازلة ومقاتلة في تلك الحرب الطاحنة الضروس ، لكن معاوية لم يفلح بل ندم على فعله حين قرأ جواب ابن عباس كما مرّ ذكر ذلك كلّه.
فإلى الحديث عن أوّل لقاء بينهما. فمتى كان؟ وأين كان؟ وماذا كان بينهما؟
لابدّ لي من التنبيه على أمر ذي بال في تاريخ ابن عباس أيام الحكم الأموي في عهد معاوية ، وذلك معرفة تاريخ المواجهات الكلامية الّتي كانت تحدث بينه وبين معاوية طيلة حكمه الّذي دام عشرين عاماً ، وفي بعض تلك المحاورات نجد حضور بعض زمرة معاوية كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه وعتبة بن أبي سفيان ومروان بن الحكم وعبد الرحمن بن أم الحكم ويزيد بن معاوية وهؤلاء كانت لهم مشاركة في محاورة جرت بالشام وأحسبها سنة ٤٢ وهي السنة أتى فيها زياد إلى معاوية بعد استلحاقه أو هي في سنة ٤٣ وهي السنة الّتي مات فيها عمرو بن العاص وذلك قبل ليلة الفطر لأنّ عمراً مات فيها.