أنّهما أتقى لله منه ، فلا يستحلان حرمة البلد الحرام والبيت الحرام ، وتحت وطأة ذلك الهاجس صار يتحسّس من التفاف الناس حولهما ويتوجّس منهما خيفة ، فيزداد في تنمّره كلما بلغه التقاء بعض عناصر المعارضة معهما حيث كان يتجسّس عليهما ، وما حديث ابن أبي مليكة في صحيح البخاري مع ابن عباس إلاّ بعض ذلك التجسس والتوجّس ، وللذهبي رأي في ذلك المنع مقاربٌ مع ما قلناه قال : ولأبي الطفيل الكناني حين منع ابن الزبير عبد الله بن عباس من الاجتماع بالناس كان يخافه.
وإنّما أخّر الناس عن بيعة ابن عباس ـ أن لو شاء الخلافة ـ ذهاب بصره (١).
ثمّ ذكر أبيات أبي الطفيل وقد ذكرناها في الشاهد الأوّل.
فهذا الهاجس والتوجّس أقضّا مضجع ابن الزبير ، فاتخذ إجراءاته الصارمة ضدّ ابن عباس وابن الحنفية وبني هاشم بوحشية وعنف ، ممّا ذكر المؤرخون بعض جوانبه ، ولم تخف على أحد ، ومع ذلك نجد البخاري في صحيحه قد ذكر أربعة أخبار ثلاثة منها برواية ابن أبي مليكة تتعلق بابن عباس وابن الزبير ومساعيه المشبوهة في ذلك فلنقرأ :
لقد عوّدنا البخاري على إيراد بعض الأحاديث في أبواب تغاير عناوينها فلا تمتُّ لها بصلة أو تمتّ على نحو ضعيف ، كالخيوط الشمسية أو نسج العنكبوت. ولست بصدد بيانها وما لا يستساغ معها إيرادها في أبواب لا تشملها ، لكني في المقام أرى لزاماً عليَّ ذكر ما أخرجه البخاري في صحيحه ( كتاب التفسير باب
____________________
(١) سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٥٥ ط دار الفكر بيروت.