وفادته على معاوية ، وهي في جميعها نجد ابن عباس يحاور فيها بلغة الاعتزاز والاستعلاء ، ونجد معاوية وإن بدأ بلغة التهديد أحياناً فإنّه يختتم المحاورة بلغة الإنكسار والإستخذاء. وليست بلغة الحاكم مع المحكوم.
والأمر الّذي لا يفوتني تنبيه القارئ عليه أيضاً ، هو خلوّ مخاطبة ابن عباس لمعاوية بأمير المؤمنين ، بل كان يخاطبه باسمه ، إذ لا يرى صحة خلافته فكان يسميه باسمه ، وإن وجد في واحدة أو أكثر من محاوراته خطابه له بأمير المؤمنين ، فإنّ أثر الصنعة ظاهر على المحاورة كما سنشير إلى ذلك عند ذكر المحاورات في الحلقة الثانية إن شاء الله.
والآن إلى نماذج من تلكم المحاورات ، ولنبدأ بذكر ما كان في الحرمين الشريفين لشرفهما ، ثمّ نعقّب بذكر الشام بملاحظة شرف المكان ، وإن كانا مختلفين ، وعلى العكس في الزمان ، فمحاورة الأولى في الشام هي قبل المحاورة الأولى في الحرمين.
أخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين بسنده عن معروف بن خرّبوذ المكي قال : « بينا عبد الله بن عباس جالس في المسجد ونحن بين يديه إذ أقبل معاوية فجلس إليه ، فأعرض عنه ابن عباس ، فقال له معاوية : ما لي أراك معرضاً؟ ألست تعلم أنّي أحق بهذا الأمر من ابن عمك؟ قال : لم؟ لأنّه كان مسلماً وكنت كافراً؟ قال : ولكني ابن عم عثمان قال : فابن عمي خير من ابن عمك. قال : إنّ عثمان قتل مظلوماً. قال ـ وعندهما ابن عمر ـ فقال ابن عباس : فإنّ هذا أحق