فأجابه ابن عباس بما أسكت به نامته ، وطأطأ به هامته ، فقال له : « نعم والله لأخرجنّ خروج من يقلاك ويذمّك ».
لقد بقي ابن عباس في أخريات حياته بمكة يكابد ـ مع تقدّم سنّه وفقدانه بصره ـ معاناة عداوة آل الزبير ، وتلك المعاناة أورثته حزناً مقيماً وكمداً دائماً ، لأن عدوّه لدود معلنٌ بنصبه العداء لبني هاشم ، ولا يرعى فيهم إلاّ ولا ذمة ، ولا يخشى من الله سبحانه أن يستحل قتلهم وحرقهم في البلد الحرام ، بينما ابن عباس لا يستحلّ ذلك منه ، وهو لا يمتلك من قوّة يمكنه استعمالها ، سوى قوة البيان وحجة البرهان. فحين يشهّر به ابن الزبير بفتياه في المتعة وحمله مال البصرة ومقاتلته عائشة ، يسمعه ابن عباس من الجواب ما يدحض به دعاواه ، لكن هل الخطب في عروة بن الزبير الّذي تناسى إحسان ابن عباس إليه يوم وفد عليه في البصرة وهو حدَثَ فقال له :
أمتّ بأرحام إليكم قريبة |
|
ولا قرب للأرحام ما لم تقرّب |
فقال له ابن عباس : أتدري مَن قاله؟ قال عروة : أبو أحمد بن جحش.
فقال : فهل تدري ما قال له رسول الله؟ قال : لا ، قال : قال له : صدقت (١).
فأحسن إليه مع سابق إساءة أبيه وأخيه إلى ابن عباس في الأمس القريب بمحاربتهم له وللإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يوم الجمل.
لكن عروة بقي على ما ورثه من العداوة والمناواة لابن عباس وبني هاشم ، فقد روى الذهبي في ذيل ترجمة محمّد بن عبد الملك بن أيمن بن فرج عن
____________________
(١) ربيع الأبرار ٢ / ١٨١ نسخة الشيخ السماوي بخطه ، و ٣ / ٥٧٨ ط الأوقاف ببغداد.