ورابعة يقول : « كيف لاتخافون أن يخسف بكم أو تعذّبون ، وأنتم تقولون : قال رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم وقال فلان » (١).
لقد كان ابن عباس يرى في إقامته بمكة فضلاً لا يدركه في أيّ مكان آخر ، كما أنّ أهل مكة كانوا يفتخرون على بقية الأقطار بعبد الله بن عباس.
وفي النجوم الزاهرة : « وكان ابن عباس يقول : ما أعلم على وجه الأرض بلدة تدفع فيها بالحسنة مائة إلاّ مكة ، ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يكتب لمن صلّى فيها ركعة بمائة ركعة غير مكة ، ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يتصدق فيها بدرهم فيكتب له ألف درهم إلاّ مكة ، ولا أعلم على وجه الأرض بلدة هي مأوى الأبرار ومصلى الأخيار غير مكة ، ولا أعلم على وجه الأرض بلدة ما مسّ منها شيء إلاّ وفيه تكفير للخطايا إلاّ مكة ، ولا أعلم بلدة يحشر فيها الأنبياء غير مكة ، ولا أعلم على وجه الأرض بلدة ينزل فيها كلّ يوم من روح الجنة ما ينزل بمكة ... » (٢).
ولشدّة المعاناة الّتي لاقاها من ابن الزبير وأصحابه صار يتمنى الخروج إلى أي مكان وليس فيه سلطان للظالمين وهو القائل : « لولا مخافة الوسواس لرحلت إلى بلاد لا أنيس فيها وأقمت فيها إلى أن ألقى الله تعالى ، فما يفسد الناس إلاّ الناس » (٣).
ولم يهاجر ابن عباس إلى الطائف في هذه المرة وهي الثالثة ، إلاّ مرغماً ومراغِماً من ابن الزبير ، فقد قاسى منه الأمرّين مكابَداً و مكايَداً حتى تفتت من
____________________
(١) تاريخ جرجان للسهمي / ٤٢٧ ط أفست عن طبعة أوربا.
(٢) النجوم الزاهرة ١ / ١٩٧.
(٣) الحكمة الخالدة لأبي عليّ بن مسكويه / ١٧٣ تح ـ عبد الرحمن بدوي ط مصر سنة ١٩٥٢.