أخبره بقتل المختار وجوابه اللاذع البارع حتى استهانّ به ، أهون من كلب في درب الجامع على حدّ تعبيره ، أمّا نهايتها فكانت سنة ٦٨ ، ومن المؤسف حقاً أن لا يذكر لنا رواة وفاته الّذين حضروها وشاركوا في تجهيزه والصلاة عليه ، وحتى ذكروا ما قيل في تأبينه ساعة دفنه ، فلم يذكروا لنا تاريخ موته يوماً وشهراً ، وحتى السنة الّتي ذكروها ، قد خالفهم من ذكر أنّها كانت في غير سنة ٦٨ كما سيأتي تحقيق ذلك.
لقد ذكر ابن سعد في طبقاته من حديث عطية بن سعد العوفي ، قال : « فمرض عبد الله بن عباس ، فبينما نحن عنده إذ قال في مرضه : إنّي أموت في خير عصابة على وجه الأرض ، أحبهم إلى الله ، وأكرمهم عليه ، وأقربهم إلى الله زلفى ، فإن متّ فيكم فأنتم هم. فما لبث إلاّ ثماني ليال بعد هذا القول حتى توفي رحمه الله ... » (١). وحكى ذلك أيضاً ابن الأثير (٢).
ونحن أزاء هذا الخبر لا نستبعد أن يكون ابن عباس قد تلقى ذلك إمّا من ابن عمه النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وإمّا من ابن عمه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ولا أحسب أنّه قاله من عنده لأنّه من الغيبيات المبشّرة ، وهو مع سموّ مكانته العلمية ، فلم يكن من أهل الغيبيات من عنده ، كيف وهو يتلو ويفسّر قوله تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) (٣).
____________________
(١) الطبقات الكبرى ( ترجمة ابن عباس ) / ١٨٨ بتحـ السلمي.
(٢) أسد الغابة ٣ / ١٩٥ مط أفست الإسلامية.
(٣) الجن / ٢٦ ـ ٢٧.