قال : « ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب أنّ المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة هناك فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر ، وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة » (١). ومهما يكن تعليله العليل ، فلا شك في أنّ الميت ينتفع بوجود من يبقى عند قبره لما يتلوه من قرآن ودعاء وحتى الصلاة ، كما يستدعي توافد الناس على المصاب للتعازي والسلوان. وفي ذلك إعزاز للميت وتخفيف من ألم فقده على أهله.
لئن ظلم ابن عباس في حياته بتجاهل قدره من قبل أعدائه الأمويين والزبيريين ، فقد لاحقه الظلم بعد وفاته من قبل الرواة والمؤرخين ، فقد نحمّل تبعات ما أسميناه بالظلم الرواة أكثر ممّا نحمّله على المؤرخين ، خاصة أولئك الرواة الّذين أدركوا ابن عباس فشاهدوه ، ثمّ هم رووا لنا تاريخ حياته. فقد ذكروه وأطروه علماً وفهماً وسيرة وسلوكاً ، ثمّ هم سكتوا عمداً أو غير عمد عمّا له مزيد أثر في ضبط تاريخه ، فجرى المؤرخون على نحو ما رواه الراوون. ومن ذلك على سبيل المثال الاختلاف في سنة ولادته كما مرت الإشارة إليه في الجزء الأوّل ، والآن وجدنا الاختلاف في سنة وفاته يتبع بعضه ما تقدم وبعضه الآخر حدث جديداً. ومن ذلك أيضاً الأختلاف في مكان وفاته. وكأنّ الاختلاف في ضبط ولادة ووفيات الأعلام سنة جارية ، فمن راجع تاريخ الرسول الكريم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يجد ذلك في ولادته وهجرته ووفاته. وكذلك في تواريخ الإمام أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسنين ( عليهم السلام ) ، وحتى في أبي بكر وعمر وعثمان نجد نحو ذلك الاختلاف. فلا بدع لو أخذ تاريخ ابن عباس نصيبه من ذلك الاختلاف.
____________________
(١) فتح الباري٣ / ٤٤٣.