ومن الرواة من تردّد في مكانها كما في رواية السيوطي (١) نقلاً عن العسكري في كتاب الأوائل عن سليمان بن عبد الله بن معمر قال : « قدم معاوية مكة أو المدينة فأتى المسجد فقعد في حلقة فيها ابن عمر وابن عباس وعبد الرحمن بن أبي بكر فأقبلوا عليه وأعرض عنه ابن عباس فقال : وأنا أحق بهذا الأمر من هذا المعرض وابن عمه.
فقال ابن عباس : ولم؟ ألتقدم في الإسلام؟ أم مع سابقة رسول الله؟ أو قرابة منه؟ قال : لا ولكني ابن عم المقتول. فقال : فهذا أحق به ـ يريد ابن أبي بكر ـ قال : إنّ أباه مات موتاً ، قال : فهذا أحق به ـ يريد ابن عمر ـ قال : إنّ أباه قتله كافر ، قال : فذاك أدحض لحجتك إن كان المسلمون عتبوا على ابن عمك فقتلوه ». وتردد الراوي في ذكر المكان يكشف عن عدم حضوره وقت المحاورة ، وإنّما رواها سماعاً ، وهذا يدل على شيوعها بين الناس ، وذلك شيء طبيعي ، فحاكمٌ مستحوذ على خلافة المسلمين بحجة واهية ، يتلقّى صفعة مؤلمة من موتور مغلوب على أمره ، كيف لا يُذاع ما جرى بينهما وينتشر خبره. واللافت للنظر في رواية السيوطي هذه ذكر عبد الرحمن بن أبي بكر مع الحاضرين وذكر ابن عباس له.
وتبعاً لاختلاف الرواة فقد وقفت على محاورة جرت بين ابن عباس وبين معاوية تزيد في جوّها المحموم والمواقف المتشنجة على ما مرّ في المحاورة الأولى ، وفيها من قوة الحجة والحجاج وشدة اللجاج ، ما يحملنا على اعتقاد
____________________
(١) تاريخ الخلفاء / ١٣٤.