أقول : وكلام ابن عباس مأخوذ من النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقد ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد فقال : « وأنشد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هذا البيت فقال : هذا من كلام النبوة ولايعني من جنس كلام النبوة ولا في حكمته ، بل هو هو من كلام النبوّة ، وقد رد ابن عباس على زعم من قال أنّه من قول طرفة بن العبد البكري ـ ( والبيت برقم ( ١٠٢ ) من معلقته ، كما في ديوانه ٤٤ ط برطرند في مدينة شالون سنة ١٩٠٠ م بشرح الأعلم الشنتمري )
فقد روى أبو نعيم في ذكر أخبار اصبهان بسنده عن ابن عباس قال : « إنّ الناس يزعمون أنّ هذا قول طرفة ما قالها إلاّ نبيّ :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً |
|
ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّد (١) » (٢) |
كان ابن عباس يعدّ في سلوكه مع الآخرين نموذجاً فريداً بين الناس ، فهو في صبره واحتماله وجوامع سيرته يتعايش مع الآخرين على حسب مراتبهم في نظره. وهو يعيش الغيرية النبيلة الّتي لا تعرف الأنانية ولا النفعية.
قال ميمون بن مهران سمعت ابن عباس يقول : ما بلغني عن أخ لي مكروه قط إلاّ أنزلته احدى ثلاث منازل ، إن كان فوقي عرفت له قدره ، وإن كان نظيري تفضلت عليه ، وإن كان دوني لم أحفل به. هذه سيرتي في نفسي فمن رغب عنها فأرض الله واسعة (٣) وهذه سيرة مُثلى.
وشتمه رجل فقال : إنّك لتشتمني وفيّ ثلاث ، إنّي لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأحبّه ولعلّي لا أقاضي إليه أبداً ، وإنّي لأسمع
____________________
(١) ذكر أخبار أصبهان ٢ / ١٩١ ط أفست ليدن.
(٢) العقد الفريد لابن عبد ربه ٥ / ٢٧١.
(٣) صفوة الصفوة ١ / ٣١٧ ط حيدر اباد.