١٦ ـ روى البيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد : « أنّ ابن عباس كان يسمي عبيده بأسماء العرب ، عكرمة وسميع وكريب ، وانه قال لهم تزوجوا ، فان العبد إذا زنى نزع منه نور الإيمان ، ردّ الله عليه بعد أو أمسكه » (١).
لقد كانت في تاريخه عدة جوانب رئيسية لشخصيته ، وقد مرّ بنا منها ما قرأناه عبر تاريخ حياته الطويل ، فعرفناه شخصية فذة توحي بملامح رئيسية ، ربانية في السلوك والتربية ، سياسية في الحزم والحكم ، ثقافية في العلم والمعرفة ، لكل من تلك الملامح أبعاد وأبعاض ، تكشف عن عظيم شخصيته. والآن فلنذكر بعض الشواهد على آثار تلك الملامح في تأثير شخصيته عند الآخرين.
لقد مرّت بنا في الجزء الأوّل شواهد عند الحديث عن نشأته وأخلاقه ، وقرأنا فيها بعض ما يشير إلى ملامح ربانية في سلوكياته في نفسه ومع غيره ، وثمة الآن بعض الشواهد الأخرى ممّا لم يتقدم لها ذكر ، وهي تمتاز بنقاوة مفاهيمها عنده وان غايرت المغروس في أذهان بعض الناس عن بعض تلك المفاهيم ، فمثلاً عندما نتحدث عن زهده وورعه وعن تقواه وإيمانه وعن عبادته وخشوعه لا نريد سوى الحديث عمّا كان عليه من الأخذ بمبادئ الإسلام النقيّة في توجيه ذاته ، في تهذيب الأنانية حتى نمت عنده الغيرية القائمة على أساس متين من الوظائف العبادية ، فعمل على تنمية روح الجماعة في النفس ، وأشاع فيضها في التعاطف والتماسك مع الغير ، مع الخشية من الله تعالى والتقرّب إليه والإيمان به
____________________
(١) شعب الإيمان ٢ / ورقة ١١٥ أ نسخة مصورة ميكروفلم بمكتبتي.