ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد (١) والنويري في نهاية الإرب (٢) : « إنّ عبد الله بن عباس قدم على معاوية وعنده زياد ، فرحّب به معاوية وألطفه وقرّب مجلسه ، ووسّع إلى جنبه ، وأقبل عليه يسائله ويحادثه وزياد ساكت ولم يكلّمه شيئاً. فابتدأ ابن عباس وقال له : ما لك أبا المغيرة كأنّك أردت أن تحدث بيننا وبينك هجرة؟ قال : لا ، ولكن لا يسلّم على قادم بين يدي أمير المؤمنين ، فقال له ابن عباس : ما أدركت الناس الا وهم يسلّمون على إخوانهم ، ما ترك الناس التحية بينهم وبين يدي أمرائهم. فقال له معاوية : كفّ عنه يا بن عباس فإنّك لا تشاء أن تغلب إلاّ غلبت ».
ولا شك أنّ هذا الموقف الجاف من زياد الّذي أثار ابن عباس فقال له ما قال ، قد ترك في نفسه حقداً صار معه يتحيّن الفرصة بالإيقاع بابن عباس ، وقد مرّت بنا في أوائل حديثنا عن وفادة ابن عباس إلى الشام ولعلها الأولى كانت ، وقد جرى فيها حوار ساخن دار بين معاوية وجلسائه بمن فيهم زياد وبين ابن عباس ، وكانت الغلبة له حتى قال له معاوية : لله درّك يا بن عباس ما تكشف الأيام منك إلاّ عن سيف صقيل ورأي أصيل ...
كما مرّ بنا أنّ ابن عباس كان معلناً بنفي زياد ـ فيما يبدو من كلام معاوية معه في ذلك ، وردّ ابن عباس عليه ـ. ولجميع ذلك تراكمات في نفس زياد ، وكلّما كانت مواقف ابن عباس مع معاوية أشدّ كلما حاول زياداً أن ينفذ من خلالها بحجة الإنتقام لمعاوية ، لكن معاوية كان أبعد نظراً من زياد في ذلك ، فقد
____________________
(١) العقد الفريد ١ / ١٩ و ٢ / ٤٥٩ تح ـ أحمد أمين ورفيقيه.
(٢) نهاية الارب ٦ / ١٤.