وكان أشدّ ما يلقاه ما يرد عليه من مسائل ملك الروم الّتي لا يهتدى إلى جوابها سبيلا. فكان مضطراً إلى أن يبحث عمّن عنده علم بجوابها. وليس ثمة سوى أهل البيت ( عليهم السلام ) ، لكنه لعناده واستكباره قد استبعدهم عن مقامهم وموقعهم القيادي ، وظن أنّه سوف يقضي عليهم ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ، حين ضرب الحصار عليهم وعلى شيعتهم ، وابن عباس منهم ، بل هو المنظور إليه عنده بعد الإمامين الحسن والحسين ( عليهما السلام ).
ولم يدر في خلده سوف يضطره الزمن إلى طلب نصرته في خلاصه من ورطته ، ولما لم يكن له بدّ من جواب مسائل ملك الروم ، والا فسوف يسقط من عينه كما سيأتي على حدّ قول بعضهم له ، فلا ضير أن يلجأ إلى ابن عباس يستنجد به ، وإن كان هو الآخر من أعدائه ، لكن أهون الأمرين المرّين اللجوء إليه ، لأنّه مسلم يغار على الإسلام وان لم يكن حاكم وقته كما يبتغي ويروم فهو أهون الشرّين عليه.
لقد كان قياصرة الروم يكيدون المسلمين بارسالهم مسائل تعجيزية يسألون بها الحاكم القائم ، لعلمهم بعجزه وعدم أهليته ، لتبوّئه منصباً ليس له أن يكون فيه ، وهذا بعض أساليب الحرب النفسية ، ومن سوء الطالع أن يلي أمور المسلمين من لا يفقه بسائط أحكام الشريعة فضلاً عن مكنون أسرارها. ولكن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليضيع دينه ، فلن يخلي الأرض من حجة يلجأ إليه العلماء الّذين يحفظون دينه ويقيمون شرعه ، ويردون عنه عادية الكفار والمنافقين.