فلينظر امرؤ منكم حيث يضع غرسّه ، والعِرق السوء قلمّا يُنجب ولو بعد حين.
قال : فقال ابن عباس : يا غلام أكتب لنا هذا الحديث ) (١).
أقول : وهذا كما ترى ليس بحديث مرفوع ، وإنّما هو قول إنسان عاقل وناصح ينصح ولده ، فأمر ابن عباس غلامه أن يكتب له ذلك ، للتنبيه على وفرة عقله وبليغ حكمة قائله ، وإلاّ فما كان أغناه عن الكتابة ، وهو الذي كان يحفظ كلّ ما سمع ، وقد مرّ في سيرته في قوة ذكائه ما يثبت ذلك.
زيد بن ثابت
ـ كان من الصحابة المحظوظين!! ـ فقد زعم لنفسه في جواب من قالوا له حدثنا عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : ( ماذا أحدّثكم؟ كنت جاره فكان إذا نزل عليه الوحي أرسل إليّ فكتبته ، وكان إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا ، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا ، أفكلّ هذا أحدثكم عنه ) (٢).
وعلى هذا الأساس من المزاعم صار من المحظوظين ، وتعالى ذكره بمباركة الخالفين ، بدءاً من أبي بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ، فقد ولّوه ما جعله يتفوّق به على كثير من الصحابة الذين فاقوه سنّاً وعلماً وحتّى سبقوه إسلاماً ،
____________________
(١) البيان والتبيين للجاحظ ٢ / ٦٧.
(٢) طبقات ابن سعد ١ / ق ٢ / ٩٠.