بركاب البغلة حتّى ركب وسوّى عليه ثيابه ، وزيد يتأبّى عليه فما كان من زيد إلاّ أن أخذ يد ابن عباس فقبلها وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا (١). فغاية ما تدلّ القصة ـ إن صحت ـ على خُلق رفيع في احترام المزور لزائره وتقدير الزائر لذلك الخُلُق بردّ الجميل فقبّل يد المزور ، لأنّه من أهل بيت النبوّة. وفي فعل زيد بتقبيله يد ابن عباس ما يلاحظ استنكار نابتة الحشوية مثل هذا الفعل مع السلالة النبوية.
والآن نستعرض بعض الشواهد ذات الدلالة على ما كان بين الرجلين ـ ابن عباس وزيد ـ من وئام أو خصام في المجال العلمي لنرى كيف تبلغ المحاققة الحاقة؟
١ ـ ذكر ابن عبد البر في كتابه ( جامع بيان العلم وفضله ) فقال : ( وروى سفيان بن عيينة عن ابن أبي حسين قال : اختلف ابن عباس وزيد في الحائض تنفر ، فقال زيد : لا تنفر حتّى يكون آخر عهدها الطواف بالبيت ، فقال ابن عباس لزيد : سل نسيّاتك أم سليمان وصويحباتها. فذهب زيد فسألهنّ ثمّ جاء وهو يضحك فقال : القول ما قلت ) (٢). وهذا أخرجه البخاري بتغيير يسير ، وابن القيم في ( أعلام
____________________
(١) انظر سنن البيهقي ٦ / ٢١١.
(٢) جامع بيان العلم وفضله ١ / ١٥٩ ، ط الثانية محققة نشر المكتبة السلفية سنة ١٣٨٨ هـ.