مجالسه مدارسه
لم تكن مدارسه على ما يتخيله القارئ ذات بناء مخصوص للدراسة ، بل كان هو بقدراته العلمية مدرسة سيارة ، فما مدارسه إلاّ مجالسه.
قال يزيد بن الأصم : ( خرج معاوية حاجّاً معه ابن عباس ، فكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممّن يطلب العلم ) (١).
فحيثما كان فله نشاط علمي ملحوظ في كلّ البلاد التي حلّ بها ، فكان له في كلّ من مكة والمدينة والطائف والبصرة ، وحتّى في الشام ومصر معهد علم فيه حديث يروى وأخبار تذكر ، فكان له في مساجدها كما له في بيته ومحل إقامته حيث أقام ما يصح أن نسمّيه مدرسة ، لما له فيها من عطاء مبارك في التعليم ، لكثرة من باركه ذلك العطاء من أهلها والوافدين عليها فاستفادوا منها ، وقد حدّث كثير من أصحابه الذين أخذوا عنه عن شواهد على ذلك العطاء ، ولمّا كانت المدينة المنوّرة هي دار هجرته وموطنه الذي أقام فيه نحواً من أربعين سنة متواصلة تقريباً ، فهي بحق تعدّ أولى مدارسه التي بثّ فيها معارفه قرابة ربع قرن ، بدءاً من أيام عمر ومروراً بأيام عثمان وانتهاءاً بأوائل خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
____________________
(١) سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٥١.