مدرسته في الشام
لم يكن عبد الله بن عباس حبر الأمّة غريب الشخصية على أهل الشام ، فليس هو كسائر الوافدين الذين عرفوهم أيام ملك معاوية. بل لهم به معرفتهم السابقة ، إن لم يكن كلّهم ولا أقلّ من بعضهم ـ منذ دخوله إلى الشام مع عمر ـ وكان ذلك مكرراً ، فقد رأوه معه وعرفوه كمستشارٍ له ، ثمّ زادت معرفتهم به أيام عثمان حين وفد حاجهم في سنة ٣٥ هـ فرأوه أمير الموسم يقيم للناس حجّهم ويفتيهم فيما يحتاجون إليه من مناسكهم. وقد مرّ الحديث عن كلّ ذلك في ( الحلقة الأولى ) من كتابنا هذا.
ولمّا كانت حرب صفين فقد رأوه مع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قائداً لميسرة جيشه ، ومنازلاً في ساحة الحرب ، ثمّ خطيباً منظوراً إليه ، رأساً في الناس بعد الإمام عليه السلام ، على حدّ تعبير صاحبهم معاوية ، وهذا أيضاً مرّ في ( الحلقة الأولى ).
فلا غرابة إذن بعد معرفتهم له في تلك الأيام أن جعلتهم يتزاحمون على الأخذ عنه ـ عندما يحلّ ببلادهم أيام حكم معاوية ـ ليمتاروا ما يحتاجونه في متطلبات الساحة الفكرية والثقافية ، فيحضرون مجالسه ، ويسمعون دروسه ، وكان هو رضي الله عنه من منطلق المسؤولية لا يبخل عليهم برشحات فكره ، فلم يضطغن عليهم ما مرّ منهم في صفين ، ولم ينس أنّهم