ومع هذا فلقد حاز قصب السبق أبو هريرة ، ولولا أنّه القائل : ( ما كان أحد أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منّي إلاّ ما كان من عبد الله بن عمرو فإنّه كان يكتب ولا أكتب ) (١) لما ذكرت عبد الله بن عمرو أوّلاً. وهذا لم يذكر من الحديث عنه سوى سبعمائة ( ٧٠٠ ) حديث ، اتفق الشيخان منها على سبعة عشر ( ١٧ ) وانفرد البخاري بثمانية (٨) ومسلم بعشرين ( ٢٠ ) ، وهذا الرقم يهبط بصاحبه إلى أدنى مستوى المكثرين ، فما بال أبي هريرة يقول : ( ما كان أحد أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مني إلاّ ما كان من عبد الله بن عمرو فإنّه كان يكتب ولا أكتب )؟! ولا شك أنّ من كان يكتب يكون أكثر ضبطاً ممّن لا يكتب. ثمّ يروي الحديث هذرمة ، فيروى عنه من الحديث ما يزيد على سبعة أضعاف ما رواه مَن كان يكتب ، ومهما يكن فلولا أنّ البخاري ذكر في صحيحه في كتاب العلم ذلك عن أبي هريرة ، لما كدنا نصدّق ذلك ، ولكن أنّى لنا الإنكار أو التشكيك في ذلك ، وكتابه أصح كتاب بعد كتاب الله عند زوامل الأسفار؟! وما قيل في توجيه ذلك إنّما هو تزويق وتلفيق وتبريرات خاطئة.
مات سنة ٥٧ هـ على المعتمد عن ٧٧٨ عاماً ، عاش منها بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ٤٧ عاماً ، فحدّث فيها كثيراً من وعاء واحد حتّى قال : ( إنّ الناس يقولون
____________________
(١) البخاري ، كتاب العلم باب كتابة العلم ١ / ٣٠ ط بولاق.