شاهد وسمع ، وقد مرّ بنا في الحلقة الأولى ذكر مبيته عند خالته ميمونة أم المؤمنين فحفظ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ما رأى وما سمع من أفعال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأقوال في ليله وأداء نوافله ، ممّا لم يطّلع عليه سائر أهل البيت فضلاً عن الصحابة ، كما مرّ بنا ( صحبته له في سفره ) ، إذ حج حجة الإسلام كما كان يسميها ـ وهي حجة الوداع ـ فروى ما يصلح أن يكون منسكاً متكاملاً.
عودة إلى ابن عباس في مدرسته الأولى
لقد سبق منّا في الحلقة الأولى في حديث ولادته أنّ النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم كرّمه بدعائه المستجاب ـ إذ أنّ النبيّ مستجاب الدعوة ـ فقال : ( اللّهمَّ علمّه الحكمة والتأويل ) ، وفي لفظ : ( اللّهمَّ فقهه في الدين وعلّمه التأويل ) ، وذكرنا ما قاله الطبري حول هذا الحديث من تحقيق شامل حول رواياته.
وفي نظري القاصر أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كرّمه بالدعاء أكثرمن مرّة ، ففي الشِعب يوم ولادته ، ومرّة أخرى في المدينة المنورة في بيت خالته ميمونة حينما وضع الوضوء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومرّة ثالثة رواها ابن عمر عما رآه عمر ، فقال : كان عمر يدعو ابن عباس ويقرّبه ويقول : ( إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاك يوماً فمسح على رأسك وقال : ( اللّهمَّ فقهه في الدين وعلّمه التأويل ) ) (١). ولابدّ أن تكون هذه المرّة هي الثالثة نظراً لعدم حضور عمر في الشِعب ولا في بيت ميمونة.
ونضيف إلى ما سبق ما قاله ابن قيم الجوزية في ( أعلام الموقعين ) ،
____________________
(١) فتح الباري ١ / ١٧٠ ، تاريخ بغداد ١ / ١٧٤.