هل أخذ عن الصحابة؟
لقد مرّ بنا في الجزء الأوّل من الحلقة الأولى ما قام به ابن عباس في عهد أبي بكر من دور مناهض له ، وذلك حين جمع أبو بكر المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ( إنّكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث تختلفون فيها. والناس بعدكم أشد إختلافاً ، فلا تحدثوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ... ) (١) ، فقام ابن عباس أزاء ذلك بعمل لا يثير حوله الشكوك لسنّه الفتية يومئذ ـ فهو ابن ثلاث عشرة سنة ـ وألمعيته النادرة ، فصار يتتبع أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عند الصحابة لئلا تنسى ويدرس أثرها ، وقد كان هو في غنى عما عندهم ، لأنّ عنده المعين الذي لا ينضب باب مدينة علم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد مرّ بنا قريباً شواهد غنائه به وإستغنائه عن غيره ، لكن الحكمة والتعقل يحدوان به إلى فكّ بعض ذلك الحصار الذي فرضته السلطة الحاكمة على الحديث النبوي الشريف ، فسلك سبيلاً لحفظ ذلك التراث الإسلامي الذي وعته صدور الصحابة ، فكان ـ وهو يخشى عليه الضياع ـ يدور عليهم ويأتي أبواب بيوتهم ويتحمل العناء في سبيل ذلك ويكتب ما يملونه عليه ، فهو للحديث النبوي الشريف حفظ وتأليف ، وهو للمحدِّث الصحابي زيارة وتشريف ، وهو للسلطة المانعة تحدٍّ وتزييف.
____________________
(١) تذكرة الحفاظ ١ / ٢.